د. بليغ حمدى

كارت ولا خط؟!

الجمعة، 22 يوليو 2011 10:12 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى مطلع الشهر الحالى تم قبول عضويتى مؤخراً بجمعية من لا يطالع الصحف والجرائد والمطبوعات المصرية، وهذا أمر قد لا يكون جديراً بالاهتمام والرصد لدى القراء، ولكن هو فى حقيقته واقع حقيقى غير افتراضى أو تخيلى، فلقد أصبح المواطن الآن غير مؤهل لقراءة السطور السوداء بأوراق تزيد من حرارة هذا الصيف، لاسيما أنه لا ولن يقتنع أبداً بما سيطالعه.

وهذه الآونة تحديداً تحاول تسيير الأعمال التى أراهاـ أقصد الأعمال ـ معطلة من الأساس بسبب الاعتصامات والإضرابات، تقنعنا بتصرفاتها وقراراتها المدروسة والمخططة، والعشوائية مع كامل الاعتذار لكلمة عشوائية، والمفاجئة أيضاً، إلا أننا استطعنا مؤخراً أن نتصف بأننا شعب لا يقتنع.. فقديماً كانت الحكومة الذكية برعاية الراعى الرسمى لها الدكتور أحمد نظيف، رئيس وزراء مصر السابق وشركاه الممنوحين حكم البراءة إعلانات التليفزيون باعتباره الوكيل الحصرى لدغدغة عقول المشاهدين فى الترويج عن سياساتها المستقبلية كالضرائب، والضرائب العقارية، والسكك الحديدية، والحفاظ على الماء المهدر قبل أن تستحوذ عليه إسرائيل برعاية مسئولى وزارة الزراعة والرى فى عهد مبارك، وغيرها من الإعلانات المدفوعة والتى والحمد لله لا تجد صدى كبيراً عند المشاهدين اللهم إلا السخرية والضحك.

أما سبب ومبرر السخرية والضحك فهو أننا شعب لا يقتنع بسهولة فى أى شىء، ناهيك عن رهانات الشعب المستدامة مع سياسات الحكومة، والتى تنتهى عادة بخسارة المواطن، الذى مرة تطلق عليه الحكومة المواطن البسيط، ومرة المواطن العادى، ومرة المواطن محدود الدخل، ومرة أخيرة المواطن المسكين.

ولكنه الآن أصبح يحمل لقب المواطن الثائر دونما هدأة أو سكون بفضل بقاء الميدان فى موقعه.

وهذا المواطن الذى تتعدد مسمياته وصوره أصبح جاهزاً ومؤهلاً تماما لإعلان عصيانه النهائى تجاه أى قرار يسمعه أو ضريبة تفرض عليه، حتى أننى سمعت عن بعض المظاهرات والاعتراضات الجماهيرية تجاه التعديلات الوزارية المنتظرة، بالرغم من أن معظم المتظاهرين لا يعلمون الأسماء المرشحة، لكنهم يؤمنون بأن معظمهم شملهم عطف ورعاية النظام السياسى البائد، كما أن هذه التعديلات فى نظرهم لا تخرج عن صورة ديكورية لا أكثر، لأنهم الثائرون أصبحوا غير منتظرين قرارات وزير أو مسئول بشأن مصيرهم، وهذا يؤكد على غياب الشفافية والصراحة بين أجهزة الحكومة والمواطن الذى لم يعد بسيطاً.

وسيظل الشارع المصرى فى الأيام القادمة بانتظار التعديل الوزارى المرتقب، ولو أنك سألت واحداً من أهل هذا الشارع عن فائدة هذا التغيير وأهميته لما وجدت إجابة واضحة ومحددة لديه، بل هو يرغب فى التغيير، كما يأمل سراً فى تغيير زوجته، أو سيارته، أو لون غرفة نومه، بدليل أنك لو طلبت من عشرة أشخاص مثلاً يجلسون فى مصلحتهم الحكومية الروتينية، أو وهم جلوس على أحد المقاهى عن بعض الأسماء، التى يرشحونها لتولى منصب وزير قادم، ستكتشف أن بعضاً منهم يذكر لك أسماء بعيدة تمام البعد عن العمل السياسى أو الحزبى.

وإذا أردت بشكل عملى أن تبرهن على اتساع الهوة والفجوة بين الاثنين أعنى المواطن والحكومة، شاهد البرامج الحوارية غير الرسمية على القنوات الفضائية، أى التى لا يبثها الإعلام الحكومى لترى حجم وكم وكيف مداخلات المواطنين حول المشكلات التى تطرحها هذه البرامج، ويكفيك أن تعلم بأن هذا المواطن الذى كان ثائراً منذ شهور لم يفطن إلى حقيقة الأمر بما تنتوى فعله الكيان الصهيونى بشأن الحصول على مياه النيل وغازنا واستكمال الحلقات المتبقية من مسلسل نهب ثروات مصر، لأن الإعلام الحكومى الرسمى فقد السيطرة على إقناع المواطن الذى لا يزال بسيطاً من وجهة نظر قنواته التى لا تعرض جديداً، وإن عرضت لهو منحة ومنة من الغير.

ورغم ذلك أتمنى أن تعود العلاقة الحميمة بين الحكومة والمواطن الذى لم يعد عادياً ولم يعد بسيطاً، وأن ترجع الثقة التى كانت، وأحلم بأن يعود المواطن الجديد أول من يطيع وآخر من يعصى، وهذا بالطبع لا ولن يتحقق إلا فى ظل مناخ يتسم بالشفافية كصناديق الانتخابات الزجاجية، ولن يتوفر إلا بتقديم الحكومة عربوناً صالحاً لهذا المواطن، فيقتفى أثره ويجدد عهده بالحكومة، وربنا يوفق الجميع.

المواطن أصبح لا يريد غير تعقب الفاسدين والمفسدين، والقصاص العادل من قتلة المصريين، مثلما طالب أجدادنا بالقصاص من جلادى دنشواى، وأصبح مجمل حلمهم القضاء على الفساد.. ولأن الفساد كظاهرة اجتماعية بدأت تتنامى بسطوة ونفوذ فى المجتمعات التى تدعى أنها خرجت من عنق الدول النامية، بل وأصبحت مثل السويد والنمسا وسويسرا.. فمن الصعوبة إيجاد تعريف محدد للفساد، لاسيما أن المصطلح نفسه مصطلح فضفاض وواسع وغير محدد.. وإذا أردنا أن نحدد تعريفاً للفساد يمكن أن نطبقه على كافة ممارساتنا اليومية، فيعنى إساءة استغلال أية سلطة عامة فى الممارسات والأنشطة اليومية الحياتية.

والفساد والرغبة وجهان لعملة واحدة، فالفساد إطلاق الفرد لرغباته العنان دون تقييد، وهذا بالطبع يشمل التعدى على حقوق الآخرين وحرياتهم.. وأحمد الله أن أساتذة علم الاجتماع فى جامعاتنا المصرية التى لا أمل من التذكير بفشلها فى دخول سباق محموم بين الجامعات العالمية، قد اجتهدوا فى تحديد أنواع وأشكال وصور الفساد المتنامى فى المجتمعات الراكدة، مثل الرشوة، والمحسوبية أى التحيز ومحاباة الأهل والأقارب والجيران.. والاحتيال الذى يشير إلى كافة معانى الغش والخداع والتحايل.. وأخيراً الابتزاز أى انتزاع شىء ذى قيمة من الآخر قسراً وقهراً.. ولأن الله وحده احتفظ بحق علم الغيب عنده، لا أستطيع أن أتنبأ بمستقبل الحياة البرلمانية فى العام الجديد، إلا أننى أؤكد من خلال المؤشرات السياسية الأخيرة فى مصر أن هذا العام قد يشهد إقبالاً ضعيفاً جداً من قبل الناخبين فى انتخابات مجلس الشعب، لا لضعف الوعى السياسى ـ والعياذ بالله ـ لدى هؤلاء المواطنين، بل لأنهم سيكونون مشغولين بقضايا وظواهر وأزمات نفسية أعمق وأخطر من مجرد الذهاب إلى سيناريو مكرر قد لا يأتى بجديد فى أحداثه.
المهم فى قضية مصر أو بما يطلق عليه خبراء السياسة الدوليون المسألة المصرية، أن ننطلق ولو شبراً واحداً نحو بناء هذا الوطن لأننى باختصار شديد مللت من حالات الملل الأخرى التى أعايشها مع أصدقائى، وقررت السفر فى سبتمبر المقبل، إن شاء الله، ليس المهم أن تمتلك خطاً أو كارتاً للتليفون المحمول لكى تطمئن على مصر، المهم أن تتصل، سمعنا صوتك بقى.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة