كانت لثورة 23 يوليو مراحل صعود وهبوط، ولا يمكن محاكمة ثورة يوليو بمفاهيم عام 2011. ففى الخمسينيات والستينيات كانت مصر تعيش عالماً وصراعات دولية وإقليمية مختلفة، وحربا باردة واستقطابات، سواء مع جمال عبدالناصر أو أنور السادات.
استمد عبدالناصر شرعيته من سياسات اجتماعية واقتصادية وإقليمية. وكانت إنجازات عصره هى قدرته على قيادة الشعب المصرى إلى عملية بناء اجتماعى واقتصادى. بدءاً من الإصلاح الزراعى الذى وزع الملكية الزراعية، وصولاً إلى تأميم قناة السويس وبناء السد العالى وحركة التصنيع التى انتشرت فى الدلتا والصعيد وأشركت الشعب فى عملية التنمية. مرحلة جمال عبدالناصر شهدت توسعا فى التعليم الأساسى والجامعى أيضاً، وتطويراً فى نظام العلاج والصحة حيث تم بناء مستشفيات عامة ومركزية ووحدات صحية كانت تعتبر نقلات نوعية فى الريف والمناطق الفقيرة.
فى المقابل لم تكن محاولات بناء التنظيم السياسى على نفس المستوى، بدءا من هيئة التحرير ثم الاتحاد الاشتراكى مروراً بالاتحاد القومى، التى ظلت فى إطار صيغة التنظيم الواحد، التى عجزت عن خلق تعدد حزبى وسياسى كان يمكنه أن يحافظ على بنيان الجمهورية.
ومن إنجازات فترة جمال عبدالناصر الأهم هو السعى لإنتاج كوادر بشرية من العلماء والخبراء فى فترات قصيرة، بدأت بالاستعانة بكوادر من العهد الملكى كان عبدالرزاق السنهورى أحد أهم فقهاء القانون هو الذى وضع للثورة الأطر القانونية والدستورية، كان الأكاديميون فى الجامعات هم الذين أقاموا المؤسسات الصناعية والجامعية. وتوسعت جمهورية عبدالناصر فى إرسال البعثات إلى دول العالم ليعود عدد كبير من العلماء والخبراء الذين ساهموا فى بناء السد العالم والمصانع والشركات وأداروها واتسعت الطبقة الوسطى وأتاحت مجانية التعليم للطبقات الفقيرة ان تدفع بأبنائها إلى الصفوف الأولى من الإدارة والعمل العام.
وهو أهم انجازات الثورة التى أتاحت ظهور طبقة واسعة من التكنوقراط تدير المؤسسات حتى نهاية السبعينيات.
ومع عبدالناصر هناك إنجازات كبيرة تمت واستمرت مع الرئيس السادات الذى نجح فى تحقيق نصر أكتوبر وسعى لتغيير النظام الاقتصادى والسياسى نحو الانفتاح والتعدد لكن الوقت لم يسعفه. وتسلم مبارك الحكم وكانت لديه قاعدة تعليمية وصناعية وسياسية يمكن البناء عليها، لكنه دعم الحزب الواحد وأنهى الشركات العامة بالبيع والتصفية بما أطاح بمئات الآلاف من العمال إلى المعاش المبكر، دون إيجاد بدائل اقتصادية واجتماعية. فضلاً عن تضاعف أعداد العاطلين، واقتصار التنمية على مجتمع الواحد فى المائة.
وعندما نتحدث عن ثورة يوليو فنحن لا نقارن بين الماضى والحاضر، بل نبحث عن نقاط الصعود والهبوط، حتى يمكن ونحن بعد ستة أشهر من ثورة يناير أن نتعرف على ما يمكن أن يواجهه وضع جديد بعد إسقاط نظام قديم.