انحياز الجيش لثورة 25 يناير إنجاز وطنى يضاف إلى السجل التاريخى الوطنى المشرف لجيشنا العظيم، لكن هذا الإنجاز صنع نقيضه، فالمجلس العسكرى بحكم التفويض غير الدستورى الذى منحه له الرئيس المخلوع دخل عالم السياسة وإدارة البلاد فجأة ودون تدريب أو استعداد مسبق، صحيح أن أعضاء المجلس هم نخبة الجيش ممن حصلوا على تعليم متميز مدنى وعسكرى، وخبرة عسكرية وإدارية رفيعة، لكن أغلبهم يفتقرون للخبرة والخيال السياسى، وبالتالى وقعت أخطاء باعدت بينهم وبين قطاعات واسعة من معسكر الثورة، خاصة الشباب الذين انخرطوا أيضاً فى السياسة بدون خبرة أو خيال.
الوافدون الجدد للعمل السياسى هم طاقة عمل وأمل للثورة والتحول الديمقراطى، غير أن قلة معرفتهم بالسياسة وحماسهم الزائد واندفاعهم جعل من بعضهم فريسة سهلة لمحاولات الوقيعة بين الجيش والشعب، والتى يروج لها فصيلان بينهما تناقضات هائلة، الأول فلول الحزب الوطنى ونظام مبارك، والثانى جماعات أقصى اليسار فى الفكر الاشتراكى والليبرالى.. ولا يمكن التشكيك فى حسن نوايا عناصر الفريق الثانى وإخلاصهم للثورة، وإنما الحقيقة أنهم يتعاملون مع حقائق ومعطيات الواقع من خلال كتب قديمة ومقولات نظرية لا تراعى معطيات واقعنا، وبالتالى تبنوا مطالب وشعارات غير منطقية وغير واقعية.
نقص الخبرة وغياب الرؤية والخيال لدى شباب الثورة ولدى المجلس العسكرى ضاعف من تأثير الأخطاء، وأحدث فجوات فى الثقة والفهم المتبادل بين الطرفين، ومع غياب مؤسسات أو آليات دائمة للحوار بين الطرفين ازداد التباعد وثارت شكوك استغلها بعض الانتهازيين وكثير من فلول النظام، وهنا لابد من الاعتراف وبصراحة بفشل جلسات الحوار المتقطع، والتى دارت بدون جدول أعمال أو أهداف، وشارك فيها أطراف لا يعبرون عن الثورة، هذا الفشل يجسد أحد أهم الأخطاء السياسية التى وقع فيها المجلس العسكرى، وأقصد به غياب الاتصال السياسى مع شباب الثورة، والأهم مع الشعب.
فالمجلس الذى يمسك بالسلطة ويدير البلاد من خلال حكومة منزوعة الصلاحية لم يهتم بالاتصال والحوار مع شباب الثورة ومع الشعب، ولم يبادر بالحصول على حقه المشروع فى استخدام وسائل الإعلام العامة أو الخاصة فى شرح وتفسير مواقفه، أو التعبير عن آرائه فيما يدور من أحداث فى الداخل والخارج، والمفارقة أن كل قوى وفاعليات المجتمع عبرت عن مواقفها فى وسائل الإعلام المختلفة، وحصل بعضها على أكثر من حقه وحجمه، وتواصل الجميع مع الرأى العام عدا المجلس العسكرى الذى ظل بعيدا عن الإعلام، وحاضرا بشكل باهت وضعيف ومتقطع، فصفحة المجلس على الفيس بوك، وما تنشره من بيانات واستفتاءات أثارت الكثير من المشكلات، حيث بدا المجلس استعلائيا، لأن أغلبية الشعب لا تستخدم الإنترنت، وجاء الحصاد النهائى لظهور بعض أعضاء المجلس فى الفضائيات على فترات متباعدة متواضعا للغاية، نتيجة غياب مهارات الاتصال والفشل فى استخدام لغة الإشارة، والتعامل مع الكاميرا وأسئلة برامج «التوك شو».
باختصار لم يكن هناك خطاب إعلامى للمجلس العسكرى يشرح ويفسر قراراته ومواقفه، ويعبر عن آرائه، وبالتالى ساد غموض غير بناء، وبدا المجلس وكأنه كيان صامت يخاف من الإعلام، ربما بحكم تكوينه وتدريبه وابتعاده عن السياسة، وفى ظل الغموض والصمت كان من الطبيعى أن تنتشر الشائعات وتنتعش الشكوك والاتهامات، خاصة أن المجلس كان يقطع هذا الصمت والغموض بقرارات وقوانين مهمة كانت تصدم الرأى العام، لأن المجلس لم يمهد لها، أو لأن حواراته مع بعض الأحزاب والقوى كانت تدور بعيدا عن الإعلام، فلا يعرف الرأى العام عنها شيئا، ومن ثم بدا المجلس وكأنه يفرض تلك القرارات والقوانين على الشعب.
المطلوب هو تصحيح شامل للوظائف الاتصالية والإعلامية للمجلس العسكرى، ولتكن البداية فى اختيار متحدثين رسميين مدربين باسم المجلس للحديث بشكل دورى لوسائل الإعلام، بدلا من الظهور المتعثر غير المنتظم لبعض أعضاء المجلس، والذى يعرقل من عملية التواصل مع الشعب ولا يطور منها، فقد يكونون جنرالات عظاما، لكنهم متحدثون سيئون للإعلام، أيضا أتمنى أن يطل المشير على الشعب بكلمة مختصرة ومحددة توضح مهام المرحلة وخريطة الطريق للتحول الديمقراطى، قد يكون المشير فضل عدم الظهور الإعلامى حتى لا يعيد إنتاج الرئيس أو القائد الفرعون الملهم، وهذا صحيح تماما، لكن عدم الظهور بالمطلق يخلق مشكلات لدى شعب تعود على التواصل والتفاعل مع الرئيس، وأعتقد أن المطلوب هو نوع من التوازن بين الظهور الطاغى والمهيمن وبين الغياب الكامل لشخص الرئيس أو القائد.. فمتى يستمع الشعب لصوت المشير؟!