كنت أعتبر الخوض بالكلمات فى تلك المعركة أمراً غير محبب، لأنه يضاعف من حجم قزم مجهول، وينقله من هوامش الصفحات إلى عناوينها الرئيسية، كنت أرى أن خوض معركة مع رجل يرى أن النضال مجرد صورة ليلية يظهر فيها بعلامة النصر أمام عربة أمن محروقة، لا يستدعى سوى أن تتفحصه بنظرة من فوق لتحت، وتتركه راحلاً مع ابتسامة شفقة، كنت أرى أن ما للدكتور «المشتاق» حازم عبدالعظيم الذى لم يكتمل ترشيحه لوزارة الاتصالات لدى «اليوم السابع»، هو مجرد توضيح عن خطأ فى معلومة جانبية، تخص لقاءه بإسرائيلين من عدمه، وردت فى سياق معلومة كارثية، تقول إن الوزير المرشح لحقيبة وزارية فى حكومة الثورة، يملك أسهما فى شركة لها تعاملات تجارية مع إسرائيل، بينما ما لـ«اليوم السابع» ولمصر كلها لدى الدكتور حازم عبدالعظيم أمر أكبر من مسألة البحث عن تبرير لخروجه من الوزارة، أمر يتعلق بمدى قدرته على شجاعة الاعتراف بالارتباط بتلك الشركة التى تتعامل مع إسرائيل.
قبل رؤية الدكتور «الهامشى» حازم عبدالعظيم على الجزيرة مباشر، وهو يحاول تلميع نفسه، كنت أرى ماسبق، وكنت أرى أن المشاركة فى تلك المعركة مضيعة للوقت، وشَغل للناس عن هموم حقيقية، ومضاعفة لحجم رجل لم يكن أحد يراه إلا فى بعض الصحف، مرفقاً بإعلانات تحريرية تخص وزارة الاتصالات التى كان جزءاً منها، ولكن بعد لقاء الجزيرة مباشر، وتكرار السيد الذى كان يتمنى أن يكون وزيراً مصطلحات من عينة «إحنا كثوار»، و«أنا لما كنت فى ميدان التحرير»، بعد هذه التعبيرات.. كان لابد أن نخوض المعركة، لأننا أمام نموذج من هؤلاء الذين احترفوا التجارة بالميدان، نموذج لهؤلاء الذين لم تحمل حياتهم السياسية ملمح المعارضة، أو الغضب من النظام السابق إلا مع قدوم الدكتور البرادعى، وهيأت لهم أوهامهم أنهم كانوا معارضين أفذاذا مثلهم مثل الآلاف فى كفاية أو 6 أبريل أو باقى الحركات السياسية الذين هتفوا فى الميدان وعلى سلالم نقابة الصحفيين، وسحلوا وقتما كان الدكتور حازم رئيسا لهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، وهو ليس منصبا عاديا أو صغيرا، لنقول أن مصر كلها كانت تعمل فى الحكومة، بل هو منصب كبير فى وزارة الاتصالات، ونحن نعرف يقينا أن النظام السابق لم يكن يمنح المناصب الكبرى سوى للشخصيات التى يرضى عنها أمن الدولة، وتحتوى ملفاتها على تقارير مشرفة فى الولاء والإخلاص.. أو التفاهة.
هذا هو نفس منطق الدكتور حازم الذى استخدمه فى الرد على مذيع الجزيرة مباشر، قال بالحرف الواحد، إن أمن الدولة هو السبب فى خروجه من الوزارة، وإن كان هو مؤمن بتغلغل أمن الدولة فى الحياة إلى هذه الدرجة، فليفسر لنا إذن كيف وافق أمن الدولة على تعيينه فى منصب كبير فى زمن مبارك، الذى لا يحصل فيه أحد على منصب كبير، إلا إذا كان برتبة مخبر أو مالوش فى حاجة أصلاً..
لا أفهم كيف تحولت معركة ضبط هذا «المشتاق» للمناصب من معركة ضبط مرشح لحقيبة وزارية متلبساً بتهمة التعامل التجارى مع الكيان الصهيونى، إلى معركة فيها أسئلة من نوعية لماذا نشرت «اليوم السابع» هذا الخبر؟ ومن أين جاءت بالمعلومة؟.
ولا أعرف لماذا يصمم البعض على أن يوجه الأسئلة لـ«اليوم السابع»، غافلين عن المتهم الرئيسى والحقيقى حازم عبدالعظيم؟.. لم أسمع أنصار الدكتور، أو حتى الذين دُفعوا للدفاع عنه بمنطق الإحراج، يسألونه هل حقيقى أنك تملك أسهما فى شركة تتعامل مع إسرائيل؟ وهل امتلاكك تلك الأسهم، يعنى أن التطبيع بالنسبة لك أمر حلال؟. وألا يعنى تبريرك بأنك لم تكن تعرف أن للشركة التى تملك أسهما فيها علاقة بإسرائيل بأنك رجل لا تصلح لمنصب الوزارة، لأنك تفتقر لمعرفة تفاصيل السوق الذى تعمل فيه؟
أعترف أن الصواب قد جانب «اليوم السابع»، فيما يخص معلومة لقاء الدكتور بالإسرائيليين، ولكن الحق لم يجانبها أبداً فيما يخص علاقة الدكتور حازم بالكيان الصهيونى، وإلى هنا.. إلى تلك المنطقة سأنقل الكلام.. إلى حيث تهرب الدكتور حازم من أى مواجهة، تطلب منه إثباتا فعليا على عدم وجود علاقة مع الكيان الصهيونى، يلجأ الدكتور للكلام العائم الفضفاض، ويفضل المرواغة، ويستخدم شماعة أمن الدولة، ويعتبر أن تصريحاته التليفزيونية التى تحدث فيها عن مطالب الثورة، هى سبب الخوف منه، رغم أن أصغر عيل فى الشارع المصرى يهتف الآن ضد المشير والمجلس العسكرى دون خوف، يتهرب الدكتور من حسم أمر علاقته بالشركة التى تتعامل مع إسرائيل، ويلجأ لربط عدم اكتمال ترشيحه بوجوده فى ميدان التحرير، معتمداً على تلك الصورة التى ينشرها على «تويتر»، رغم أننا نعرف أن المناضلين الحقيقيين فى الميدان، لم يكن لديهم الوقت للتفكير فى التقاط صورة للتباهى على الفيس بوك، أو «تويتر»، يلف الدكتور ويدور، ويسعى للتأكيد على استبعاده خوفا من شجاعته وقدومه من الميدان، وكأن رجلاً محترماً مثل الدكتور عمرو حلمى وزير الصحة، كنا نراه يومياً يتنقل فى المستشفيات الميدانية، ويشارك بحماس عميل أمنى لمجرد أنه أصبح وزيرا.