بسمه موسى

الديمقراطيّة التّنافسية

الإثنين، 25 يوليو 2011 09:42 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نسمع كثيراً عن الديمقراطية التنافسية ونتساءل ماذا تعنى؟ لذا أقدم لكم إسهاما متواضعاً عن هذا النوع من الديمقراطية وهى المطبقة بالغرب اليوم على أساس أن الحكم الديمقراطى يتطلّب بالضرورة "تنافس" أحزاب مختلفة للحصول على قوة سياسيّة، عملية "التّنافس السّياسي" هذه موجودة أيضا عند غياب الأحزاب كما هو الحال فى الدوائر الانتخابيّة المحلية حيث يتنافس مرشحون مستقلّون. لذلك يمكن تسمية الديمقراطيّة الحاليّة بـ"الديمقراطيّة التّنافسيّة"، على أى حال يبقى التّنافس هو الأساس للديمقراطيّة، وهذا الأساس "التّنافسى" بالذات هو الغير ملائم والغير عادل والغير محتمل.

فمن الأمور المتّفق عليها هو أن الديمقراطيّة التّنافسيّة تعتبر إنجازاً تاريخيّاً متميّزاً، إنّه النظام الذى خلع الأنظمة التى ينقصها العدل والإنسانيّة من أرستقراطيّة وفاشيّة وكهنوتيّة وثيوقراطيّة، وأخذ مكانها، ولكن ما كان ملائماً فى بدايته للمطالب الاجتماعيّة والبيئيّة حينذاك، أصبح الآن فى حاجة إلى مراجعة كليّة.

بدأت نظريّة التّنافس السّياسى مع الثورة الصناعيّة عندما كانت جموع الأهالى صغيرة وبعيدة عن بعضها، الديمقراطيّة التّنافسيّة سبقت الكهرباء، والمحركات الميكانيكية، والطائرات، والإذاعات السمعيّة والبصريّة، والإعلاميّة، والكمبيوتر، والشبكة العالميّة للاتصال، وأسلحة الدّمار الشامل، وسياسة الاستهلاك، والأسواق العالميّة الحرّة للرأس مالية، كلّ هذه المستجدّات بدّلت أحوال الإنسانيّة بصورة جذريّة.

ومن خلال التجارب العالمية للديمقراطية بدا من الواضح أنّ النظام الديمقراطى ذا الحزبين الرئيسيين يكون أكثر نجاعة من النظام ذى الأحزاب الكثيرة، ومع ذلك فالمشاهد يرى أن هناك سلبيات فى نمط الخطاب السّياسى الذى تشوبه المشادّات الكلاميّة، حتّى مع نظام الحزبين فقط. هذا الانحطاط للخطاب السّياسى يؤدى بالضرورة إلى انتشار لروح الصراع، فكل حزب يريد "تهميش" الحزب الآخر سياسيّاً، ويفقد النظام فى خضم هذا الصراع منافع التفاعل البنّاء بين الحزبين أو بين الأحزاب، وسرعان ما تنتهى الأمور إلى طريق مسدود، وينتشر الفساد وتنهار القواعد غير المدوّنة للياقة، والتعاون، والتفاهم كما شاهدنا فى الأسبوع الماضى فى برلمان إنجلترا.

المشكل الكبير الذى يواجه الديمقراطيّة هو أن انتهاء الأمور إلى طريق مسدود، وانتشار الفساد وانهيار القواعد غير المدوّنة للياقة، والتعاون، والتفاهم هذا، وهى عيوب تفاقمت فى النظام الديمقراطى مع مرور الأيام، وليست عيوب النظام الحزبى ولكنها التطوّر الطبيعى الناتج عن الافتراض أن حبّ الذات وحبّ التّنافس من طبيعة البشر، والافتراض بأنّه لابد أن ينمو لدى مجموعات مختلفة من الناس مصالح واحتياجات وقيم مختلفة، وأنّه لابدّ لهذه المصالح أن تتنازع، والافتراض أن أفضل وأحسن طريقة لتسوس المجتمع مع ما لدى الأفراد من حبّ الذات والمجموعات ذات المصلحة المشتركة من تصارع فيما بينها، هو توظيف ديناميكيّة للتنافس المفتوح بين تلك المجموعات المختلفة.

من هنا يبدأ السّعى للفوز فى الانتخابات، وللحصول على هذا الفوز، وتنزلق الأمور إلى سوق المزايدات بما فى ذلك استعمال المال وما يترتب عنه من فساد إضافي. وإذا أخذنا عمليّة النّقاش حول إدارة شؤون المجتمع نرى أن التّنافس، وهو أسّ أساس النظام الديمقراطي، يبدّل النقاش من المصلحة العامّة إلى محاولة اكتساب الرصيد السّياسى للأحزاب أو للمجموعات ذات المصالح المشتركة الموجودة فى الساحة السّياسية. ويزداد التصارع والتسارع لاكتساب الأرصدة السّياسية مع اقتراب موعد الانتخابات المواليّة. وقد يرغب حزب فعلاً فى تحقيق برنامج فى ظلّ مبادئ سياسيّة مثاليّة، ولكنه إن لم يتّبع إستراتيجية بمنهجيّة تهدف إلى الفوز فى الانتخابات، فإنّ مآله يكون لا شيء. لهذا تتبدّل الأحزاب لتصبح أوّلاً وقبل كلّ اعتبار مجموعات لكسب الانتخابات.

والتّنافس بين المجموعات ذات المصالح المشتركة ليس بالضرورة فى صالح تحقيق العدالة الاجتماعيّة أو استقرار البيئة. على عكس ذلك، لأنّ سجل الديمقراطيّة التّنافسيّة واضح. إنّه سجل ارتفاعاً فى الفارق بين الفقر والغنى، وسجل أيضاً تدهوراً متزايداً للبيئة، لذلك لابد من أخذ مضاعفات الديمقراطيّة التّنافسيّة فى الاعتبار، فهى مضاعفات تتعدى بمجرّد أن "تنتهى الأمور إلى طريق مسدود، وينتشر الفساد وتنهار القواعد غير المدوّنة للياقة، والتعاون، والتفاهم".

إن عالم اليوم لابد أن يجد له وسائل لنوع جديد للديمقراطية تكون قائمة على خدمة الشعوب وتقبل بالتعدد والتنوع لكل أفراد الشعب ويتفانى فيها كل من يرشح نفسه للانتخابات لخدمة كل المجتمع وليس فئة بعينها وتتنافس فقط فى ما يؤدى إلى رفاهية الشعوب وحفظ كرامة كل إنسان، لأن كل طفل يولد على هذه الأرض هو قيمة ونبته صغير يجب أن تنال الرعاية من كل فئات المجتمع فما بالكم والمتنافسين للحصول على مقاعد بالانتخابات.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة