لأن هذه هى الصفحة الأخيرة حاولت فيما أكتب أن أستخدم روح الدعابة أو السخرية، لأن الصفحة الأخيرة عادة ما تكون مثل استراحة للقارئ، لكن للأسف هذه المرة سأكتب حزينا. أكثر من أسبوعين الآن والثورة فى الشارع، والذى جرى من استجابة لم يحقق المطلب العاجل الذى كان يمكن، لو حدث، أن يعود الناس إلى بيوتهم دون أن نجد أنفسنا نتحدث عن قضايا وهمية، مثل تعطيل المصالح وعصيان ولى الأمر.
أونتبادل الاتهامات بين الثورة والمجلس العسكرى والوزارة. هذا المطلب الذى كان وحده كفيلا بإرجاء كل اعتصام وكل عصيان وكل إضراب عن الطعام هو المحاكمة العاجلة لقتلة الشهداء. دعك من الكلام عن مبارك الآن ووزرائه وأتباعه من الفاسدين واللصوص. القصاص الذى تأخر ستة أشهر بحجة المحاكمات العادلة. ولا أعرف كيف تكون المحاكمات السريعة غير عادلة مادام لدينا القاتل والقتيل والشاهد على القتل.
أقول هذا المطلب وحده كان سيجد صداه فى قلوب الناس، وكانت دعوات من نوع أعطوا فرصة للوزارة الجديدة، وأعطوا فرصة للمجلس العسكرى، وغير ذلك مما يشاع، أقول كانت هذه الدعوات ستجد فرصتها، وكنا سنتخلص من هذا الجو المشبع بالبيانات والاشعات. قضايا مبارك ستطول وقضايا الفساد ستطول مادمنا أوكلناها للقضاء العادى، لكن هناك قضايا كان حسمها مبكرا سيريح الأمة حكاما ومحكومين، خاصة أن هذه الثورة الثانية اندلعت حين تم الهجوم على أهالى الشهداء، وحين أعلن أن الشهداء وأهلهم ومن يقف معهم بلطجية.
محاكمة قتلة الشهداء لو كانت تمت بشكل سريع كان الهدوء سيجد طريقه إلى الجميع. وأنا أسأل نفسى لماذا حقا لا يفعل الحكام حتى الآن ذلك؟. لماذا يصبح المجلس العسكرى والحكومة فى مواجهة مع الثورة من أجل المتهمين من الشرطة؟. لقد تطورت الأمور يوم الجمعة الماضى وذهب الثوار إلى مقر المجلس العسكرى بالقاهرة، وإلى إدارة المنطقة الشمالية العسكرية بالإسكندرية، وتم قطع الطريق عليهم، وأطلقت القذائف فى الهواء والطلقات، وامتلأ الفيس بوك وتويتر بالأحاديث عن قتلى ومصابين، وأنفقت ليلة كاملة أحاول التحرى عن ذلك، انتهت، ويارب يكون صحيح، بأنه هناك إصابات لكن لايوجد قتلى. مصابون فى الإسكندرية، والسويس أكثر من غيرها، ومصابون بالقاهرة. يارب يكون صحيح، لأن الحكاية مش ناقصة قتلى. وإن كنت أيضا لم أحب أن يكون هناك مصابون. رحت أسأل نفسى طوال الليل: لماذا حقا لا تتم المحاكمة السريعة لتبرد نار الأهالى والثوار والشعب الصامت أيضا؟. أنا غير قادر على فهم هذه المسألة أبدا رغم أن الإجابات على الفيس بوك وتويتر وغيره دائما أن المجلس العسكرى والحكومة يتعمدان إجهاض الثورة. أنا غير قادر على تصديق هذا أيضا، لأن أحدا لن يستطيع أن يجهض هذه الثورة، ولا يخفى ذلك أبدا عن المجلس العسكرى ولا الحكومة، ولا أظنهما يراهنان عليه. والآن يتأكد لهما ذلك أكثر، فالذين خرجوا فى روكسى يؤيدونهم مئات، والذين خرجوا من مسجد الفتح يؤيدونهم مئات. والذين مازالوا معتصمين آلاف مؤلفة، والصامتون إذا خرجوا عن صمتهم سينضمون إليهم، لأن أى شخص سيسأل نفسه لماذا حقا لا يحاكم قتلة الشهداء فى أسرع وقت وننتهى؟. لا أجد اليوم مجالا للسخرية أو التندر لكن فقط الألم. كان يمكن أن تخلو الميادين والطرق لو أن محاكمة واحدة انتهت. وكان يمكن للمجلس العسكرى أن يرتاح من كثرة البيانات التى يبرئ فيها نفسه من كل شائعة أو قول. أما الذى أحزننى أكثر فهو بيان المجلس العسكرى ضد حركة 6 أبريل التى لا أعرف أحدا، بحكم سنى على الأقل، من أعضائها، ولكن أعرف أنه كان لها دور عظيم فى إشعال الثورة منذ أحداث المحلة عام 2008. ولو كانت محاكمة واحدة انتهت ماكان لأى حركة أن تتحرك ضد أحد إذا كان هناك تحرك فى ذلك. إننى أرفع راية الحزن اليوم لأن أسهل شىء يمكن تقديمه للثورة صار أصعب الأشياء.