أسئلة ملحة، لا صدى لها فى حوارات النخبة الآن، ما شكل الاقتصاد الذى يكون عليه النظام المصرى؟ هل سوف نظل نعتمد على الريع القادم من تحويلات المصريين بالخارج، ورسوم عبور قناة السويس، والمعونات الخارجية، أم أن مصر لديها مشروع كى تكون دولة صناعية وزراعية، أى دولة منتجة، والمواطن يصبح مواطنًا منتجًا؟
ما السياسات الاجتماعية التى يمكن أن تتبع لتقليل الفجوة بين الأقلية التى تمتلك والأغلبية الساحقة التى لا تمتلك، وتعيش فى درجات من الفقر؟ ما التصور للسياسة الخارجية لمصر؟ هل هناك رؤية شاملة تعيد الريادة لمصر حتى لا نجد مسؤولاً ينافق دولة خليجية واصفًا إياها بأنها الشقيقة الكبرى لمصر؟
هذه مجرد نماذج لأسئلة تبحث عن إجابة، أو حتى اهتمام. أزمة حكومة د. عصام شرف الثانية، مثلما كانت أزمة الحكومة الأولى، هى غياب الرؤية الكلية الشاملة التى تتحرك فى عباءتها الوزارات المختلفة. الحكومة التى حملت اسم «تسيير أعمال»، ثم تحولت إلى حكومة «إنقاذ وطنى» لا تمتلك الوقت، أو القدرة على أن تكون لها رؤية استراتيجية يمكن تنفيذها على المدى البعيد أو المتوسط.
د. عصام شرف رجل مخلص، لكنه رفع توقعات الشعب المصرى، ولم يواجههم بحقيقة الأوضاع. الكل يلتقى به يخرج مرتاحًا، والوعود لا تتحقق. خطأ أن تنظر حكومة شرف الأولى لنفسها على أنها حكومة إنقاذ وطنى، بينما لا تمتلك رؤية أو برنامجًا، أو - فى أحسن تقدير - لم تفصح عما لديها من رؤية أو برنامج. ولا أعرف على وجه التحديد لماذا يريد د. عصام شرف حكومة ثانية بها أكثر من خمسة وعشرين وزيرًا، وهم ما أن يبدأوا أن يفهموا تفاصيل العمل فى دهاليز الجهاز الحكومى حتى تجد من يقول لهم: «رصيدك قد نفد».
هل يمكن أن نتوقع من وزير يعرف مسبقًا أن عمر الوزارة ثلاثة أشهر يقدم على اتخاذ قرارات جذرية؟ لا أعتقد. كان أيسر أن يقوم د. عصام شرف بتشكيل حكومة مصغرة مكونة من عدد من سبعة إلى عشرة وزراء لا أكثر، ويعهد إلى أقدم وكيل وزارة أن يدير دولاب العمل اليومى فى وزارته، ويعود فقط إلى مجلس الوزراء فى حالة الضرورة.
المشكلة التى سوف ترتطم بها حكومة د. عصام شرف الثانية أنها يجب أن تتخذ قرارات حاسمة لمواجهة استحقاقات إسقاط النظام السابق من محاكمة الفاسدين، وقتلة الثوار، فضلاً على الإعداد لأول انتخابات برلمانية يتوقع أن تكون نزيهة. لا أعتقد أنه يمكن أن يطلب من الحكومة الراهنة أكثر من ذلك، فهى حكومة بلا رؤية شاملة، ولن تكون لها هذه الرؤية، لا الوقت سوف يسعفها، ولا الجهد سوف يعينها.
هذه هى أكبر أزمة تواجه مصر، أنه لا توجد مشروعات أو أفكار كبرى للنهوض بالمجتمع المصرى. الثوار الذين خرجوا فى 25 يناير يطالبون بإسقاط النظام هم أنفسهم لا يزالون يرفعون ذات الطلب، وهو مطلوب، وأزهقت فى سبيله أرواح بريئة، لكن لم يمتد العمل ليشمل التصورات والأحلام التى تتعلق ببناء مصر الجديدة. كل ما تتداوله الصحف هو إعادة إنتاج للقصص نفسها من محاكمات فاسدين، وصحة الرئيس المخلوع، ويوميات ابنيه فى طرة، والخناقات والاستقطابات بين القوى السياسية التى كانت يومًا متحدة فى قلب ميدان التحرير، لكنها تفرقت فى معارك كثيرة أشهرها «الانتخابات أولاً» أم «الدستور أولاً»، «شرعية الثورة» أم «شرعية الاستفتاء».
لا توجد أفكار كبرى تتعلق بمصر الجديدة، والأحزاب والقوى السياسية لم تطرح رؤى يدور حولها نقاش عميق، الناس لا يعرفون الكثير، مضطربون، لا يعرفون الطريق الذى نسير فيه هل يقودنا إلى سكة السلامة أم الندامة؟ المطلوب أن تتحول هذه الرؤى إلى مضمون الحوار بين الناس حتى يشاركوا فى بناء الدولة الجديدة مثلما شاركوا فى هدم أركان نظام سابق مستبد وغير ديمقراطى.
عدد الردود 0
بواسطة:
امل
الرحمه
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
الشعب عايز حكومة ملائكه مش بشر
بدون