كان من المفترض بعد نجاح ثورة يناير فى إجبار الرئيس السابق حسنى مبارك على التنحى وسقوط نظام حكمه أن تحدد مصر بأى شرعية سوف تحكم بها فى الفترة الانتقالية، بالشرعية الثورية التى حكمت بها الكثير من الثورات عقب قيامها، أم بالشرعية القانونية والدستورية وحكم البلاد بنفس القوانين والتشريعات التى كانت تحكم بها فى ظل النظام السابق، التى أعلنت الثورة رفضها وضرورة تغييرها مع إسقاط النظام برمته.
تلك هى الأزمة والمأزق الذى نعيشه منذ قيام الثورة والفجوة التى اتسعت بين أحلام ومطالب الثوار وبين ما تقدمه، أو ما يمكن أن تقدمه، الإدارة التى تحكم بها مصر حاليا، سواء من الحكومة أو من المجلس العسكرى.
فالثورة لابد لها من شرعية ثورية تحكم بها وتضع من خلالها ترتيبات مرحلة ما بعد الانتفاضة والانقلاب على الحكم وإزاحة نظامه. لذلك فالدائرة المفرغة التى نعيش فيها حاليا ناتجة عن الصدام بين رغبة الثوار فى شرعية ما هو أمر واقع على الأرض منذ 25 يناير أو تحديدا منذ 11 فبراير يوم تنحى مبارك عن الحكم، وبين تأكيد الحكومة والمجلس العسكرى على الالتزام بالشرعية القانونية والدستورية، فالمحاكمات التى يطالب بها الثوار فى الميدان لرموز النظام السابق والقصاص من قتلة الشهداء والعودة إلى المحاكم الاستثنائية، بما فيها قوانين الغدر، وتحقيق العدالة الاجتماعية ورفض كل وزراء ومسؤولى نظام مبارك والتغيير الشامل فى مؤسسات الدولة، ليس له إلا معنى واحد وهو الحكم بمبدأ الشرعية الثورية لإنجاز تلك المطالب دون التقيد بشرعية قانون أو دستور وضعه ترزية النظام السابق على مقاس مبارك ونظامه وولده. وهذا هو أساس المشكلة.
المسألة تحتاج إلى تقريب وترميم بين مطالب الشرعية الثورية التى تحلق بعيدا بأحلامها فى التغيير الفورى والسريع وبين واقع يبدو عاجزا مرتبكا يتعامل بآليات الماضى وبنفس قوانينه، واقع مازال مترددا متوجسا من تبعات تنفيذ كامل مطالب الثورة المشروعة.
الانحياز والدعم والحماية للثورة كان ومازال يلزمه حسم مسألة إدارة أمور البلاد، إما بالشرعية الثورية، وهو ليس بدعة فى تاريخ الثورات، وإما بالشرعية القانونية الناجزة والفاعلة والسريعة التى تلبى جميع مطالب ثورة الشعب.