أكرم القصاص

الثورة والبطل والفرعون

الثلاثاء، 26 يوليو 2011 08:08 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
للتاريخ حساباته، وللبطولة قوانينها، وللفرعنة نهايتها.. كان ظهور عبدالناصر فى مشهد ثورة يوليو كزعيم أو بطل فرد متناسبا مع الزمان والمكان، عالم ما بعد الحرب العالمية هو عالم الأبطال، ومصر كانت تنتظر بطلا.. عرفت الدول الغربية أبطالا صنعوا استقلالا أو قادوا مقاومة.. فرانكلين روزفلت فى أمريكا، وتشرشل فى بريطانيا، وديجول فى فرنسا، واحتفظت كل دولة من هذه الدول فى ذاكرتها بأسماء لأبطال لكل منهم مكانة تفوق سابقيه، الولايات المتحدة تحتفظ باسم جورج واشنطن، وإبراهام لينكولن، وفرانكلين روزفلت بطل الحرب ضد النازى، ثم أيزنهاور وكينيدى أكثر من غيرهم.

فى الهند هناك أبطال مثل غاندى ونهرو، وفى جنوب أفريقيا يبقى نيلسون مانديلا بطلا أسطوريا، وفى كثير من الدول يظل التاريخ متصلا بحلوه ومره.. كيان يقبل النقد دون النفى.
على عكس ما هو حادث فى مصر حيث تسود «الفرعنة»، ويسعى كل قادم لمحو آثار سابقه، وينقش اسمه.. استمرت العادة الفرعونية فى التاريخ الحديث.. تجاهل الوفد ثورة عرابى والحزب الوطنى فى مواجهة الاحتلال، ثم جاءت ثورة يوليو لتسعى إلى تجاهل ثورة 19، بالرغم من أن يوليو كانت نتاجا لكفاح الوفد، ودخول أبناء الطبقة الوسطى للجيش.

بعد عبدالناصر حاول السادات أن يصنع لنفسه تاريخا منفصلا عن تاريخ سلفه، وبدا كأنه يحاول التخلص من عقدة عبدالناصر الجماهيرية، أما حسنى مبارك فقد بدأ عهده بالاعتراف بأنه رجل لا يحب المغامرات والصدمات الكهربية، فى إشارة إلى عبدالناصر والسادات، وسرعان ما سعى لمحو أى فضل للسادات فى الحرب أو السلام، وحتى مترو الأنفاق وكوبرى أكتوبر اللذين وضع السادات أساساتهما نسبهما مبارك لنفسه مع الضربة الجوية التى اختصر فيها الحرب، وأصر إعلام مبارك على التأكيد بأن ما تحقق على أرض مصر فى عهده يفوق ما تحقق من عصر الفراعنة.

وكان للتاريخ حساب آخر، ظل عبدالناصر بطلا لزمنه بإنجازاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فشل السادات فى إخفائها، كما كان السادات بطلا قاد حرب الانتصار وحقق أكبر انقلاب فى الشرق الأوسط بزيارة القدس وتوقيع معاهدة سلام، حولها مبارك إلى ربح خاص، لم يكن بمواصفات بطل، حاول التهام إنجازات سابقيه، بالرغم من أنه بحساب الزمان والمكان كان الأوفر حظا، والأقدر على صناعة شرعية ديمقراطية ونظام أكثر تعددا وانفتاحا.

فى النهاية لم ينجح مبارك فى خداع التاريخ، مثلما فشلت محاولات محو ثورة 19 أو يوليو أو آثار عبدالناصر والسادات. التاريخ له حسابات أخرى، تختلف عن حسابات بعض من يتحدثون باسم ثورة يناير كأنها ولدت فجأة، وهى نفس الفرعنة التى أثبت التاريخ فشلها، وتتكرر مع من لا يدركون ويبحثون عن بطولة تمحو الآخرين، دون أن تثبت شيئا، وتتعارك مع الماضى أكثر مما تحارب من أجل المستقبل.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة