فى يده اليسرى «سنجة» طويلة، و«السنجة» لمن لا يعرفها سلاح أبيض يشكل جزءا مهما من تعريف الكائن البلطجى فى مصر، وفى يده اليمنى عصا الأمن المركزى، وهذه العصا لمن لم يتلاقَ ظهره أو رأسه معها فى مظاهرة ما، مجرد «عصاية» ولكنها تشكل جزءا مهما من مصطلح القمع والقهر.
هو ضابط أو ربما عسكرى ذو رتبة أكبر من هؤلاء الذين تشاهدهم محبوسين مثل الفراخ داخل عربات الأمن الزرقاء، هذا الكائن المركزى ظهر فى إحدى الفيديوهات المنتشرة على الإنترنت بكاميرا «المصرى اليوم»، وهو يمسك بالسنجة فى يد، وعصا الأمن المركزى فى اليد الأخرى، ويقف فى مواجهة المتظاهرين داخل ميدان التحرير الأسبوع الماضى راقصا، كما لو كان مخمورا أو محششا فى فرح شعبى، وتخللت رقصته مجموعة من الإشارات البذيئة التى صنعها باستخدام «السنجة» مرة، وباستخدام عصا الأمن المركزى مرة أخرى، فى تحدٍ واضح لأهالى الشهداء ورغبة قوية فى استفزاز الهادئ منهم، وإجبار الجالس من المواطنين فى البيوت على النزول مرة أخرى للميدان بنفس الرغبة القديمة فى الانتقام من الشرطة بعد مشاهدة مقطع الفيديو هذا.
كان فى رقصة ضابط الأمن المركزى أو العسكرى أمر آخر غير الاستفزاز أو الرد على المتظاهرين الذين أمطروا قوات الأمن بالحجارة، دلالة أخرى لتلك الرقصة المسلحة تقول إن وزارة الداخلية بدأت عهدا جديدا بالفعل.. عهد يجمع بين همجية البلطجى وقمع رجل الأمن فى كيان واحد، بعد أن كانا منفصلين، والتعاون بينهما يتم على فترات.
الضابط أو العسكرى الراقص رقصة السلاح والبذاءة فى وجه المتظاهرين هو نموذج لهذا الكيان الأمنى الجديد الذى اختار لنفسه شعارا معبرا هو: (السنجة وعصا الأمن المركزى فى إيد واحدة)، وهذا الكيان الجديد يفسر لك وببساطة لماذا تتوالى الأحداث والمعارك الغامضة أمام ماسبيرو وفى الميدان.
يمكنك أن تعتبر الكلام السابق تحليلا فارغا من كاتب استفزته الرقصة المسلحة، ولكن لا تتسرع فى هذا الاتهام، وقدِّم لى إجابة أولا عن الأسئلة التالية: لماذا لم تقم وزارة الداخلية أو اللواء منصور العيسوى بمعاقبة هذا الضابط أو العسكرى الراقص بالسنجة، أو إعلان التحقيق معه حتى الآن؟
ستقول: ربما لم يشاهد المسؤولون فى الداخلية مقطع الفيديو أو يسمعوا عنه، وفى قولك هذا، الذى قد يشبه تبرير اللواء منصور العيسوى لعدم فتح تحقيق فى تلك الواقعة، كارثة أكبر، لأننا نتكلم عن فيديو هو الأشهر على الإنترنت، وعن وزارة مهمتها معرفة «دبة النمل» فى البلد، وعن مستوى من البذاءة وقلة الأدب يعاقب اتحاد الكرة على ما هو أقل منها بالإيقاف موسما كاملا، وغرامة تتعدى العشرة آلاف جنيه مثلما حدث مع لاعب الزمالك محمد إبراهيم فى مباراة المصرى.
طلب فتح التحقيق فى تلك الواقعة ليس فيه أى محاولة لضرب استقرار الداخلية، نحن فقط نبحث عن العدل، نبحث عن ردع مبكر لهذا الكائن الأمنى الجديد قبل أن يتضخم ويتوحش، ونبحث عن وزارة داخلية جديدة تملك القدرة على مراجعة نفسها وتقويم رجالها، فإذا أراد اللواء منصور العيسوى أن يقنعنا بأن الداخلية تغيرت فليأتنا بقصة هذا الضابط أو العسكرى أو ليرحل ويصمت للأبد.