بين يدى الآن كتاب صغير وبسيط وعنوان للوفاء هو: «الملاك الثائر.. فى رثاء عادل القاضى»، يجمع وبتقديم رائع من المستشار طارق البشرى، المقالات التى كتبت فى رثاء الصديق الكبير الذى رحل فجأة تاركا حزنا مقيما فى قلوب تلاميذه ومحبيه وأصدقائه.
وكالعادة وحين نتلقى خبر رحيل عزيز علينا ومع الشعور بمرارة الفقد، تدور عجلة الذكريات لنستدعى منها الكثير عن عزيزنا الذى غادرنا إلى دار الحق.
ومع عادل القاضى هناك الكثير مما يقال حول طرازه الإنسانى الفريد فى روعته، وكفاءته المهنية الكبيرة التى لم تنفصل أبداً عن أمانة الكلمة وصدقها، ودوره فى تربية النشء الصحفى على مبدأ أن الصدق هو أقصر طريق لقلب القارئ، وثقافة الحلال والحرام فى الرزق والفعل، وهى الثقافة التى حمته كثيراً من مزالق، نزل إليها آخرون وهم يعلمون بما يفعلونه تماماً، ودفعته إلى البحث فى أرض الله الواسعة عما يريح ضميره اليقظ، ولأجل ذلك امتلك عادل ميزة القدرة على الاستغناء، وهى فضيلة قلما نجدها، وترتبط كثيراً بتلك العبارة الموحية التى ذكرها فى حقه أحد الزملاء العرب فى حفل توديعه بعد تركه للعمل فى صحيفة البيان الإماراتية: «عرفناك عادلاً يا قاضى تنصر المظلوم على المليان والفاضى».
يشمل الكتاب الذى أعده الصديق مصطفى عبدالرازق الكثير من مقالات الزملاء الذين اقتربوا من عادل، ويبقى تقديم أستاذنا طارق البشرى رائعاً فى التقاط خصال رائعة فى فقيدنا بالرغم من أنه لم يلتق به كثيراً، وأكثر مايلفت فى ما ذكره البشرى كلمته التى يقول فيها: «إن أصدقاءه فى هذا الكتاب قد سجلوا من حياته وأثبتوها، كنوع من أنواع التشبث بالحياة له، وقد نجحوا أيما نجاح، فهم أبقوا حياته مستمرة فى معانيها، وهى تنتقل بهذه المعانى الجميلة إلى جيل لاحق، وما كانوا سيكتبون عنه ذلك، وهو فيهم ودون أن يفلت منهم، وما كان هو بمانع من الحياء والتواضع سيكتب عن سجاياه شيئاً من ذلك ينتقل إلى من لم يعايشوه، ومن هنا يجىء قول القائلين: «إن فى الموت حياة».
كانت حياة عادل قصيرة «49 عاماً»، لكنها عميقة الأثر بنبل وقيمة صاحبها، ولهذا سيبقى فى وجدان من عرفوه طرازا فريدا، يتذكرونه كلما تذكروا كيف يمتلك الإنسان القدرة على الاستغناء، فيعيش مرفوع الرأس مستقيم الوجدان.