لا أحد فى مصر يعرف حقيقة ما جرى فى مسلسل أحداث مسرح البالون، فالروايات متناقضة، مع ميل قوى للترويج لفكرة المؤامرة، فالبلطجية وفلول نظام مبارك، وأحياناً أصابع أجنبية وراء تفجير الأحداث، والتآمر للإيقاع بين الشعب وقوى الأمن، وبين الشعب والحكومة، وبين الشعب والمجلس العسكرى!!.
ليس فى مقدورى قبول أو رفض نظرية المؤامرة، وقد تكون هناك شواهد ترجح محاولات استغلال دماء الشهداء ومشاعر ذويهم. لكن أتوقف عند ثلاثة دلالات فقط تتعلق بمسلسل البالون الغامض والملتبس، لحين إعلان نتائج التحقيقات وما ستعلنه لجان تقصى الحقائق.
الدلالة الأولى: أن بداية الأحداث وتتابعها من البالون على الضفة الغربية للنيل ثم انتقالها إلى الضفة الشرقية للنيل عند ماسبيرو، وصولاً للتحرير، ثم الاشتباكات بين الشرطة والمواطنين.. كل ذلك بحسابات الزمن والمسافة والشائعات التى انتشرت وعمليات شحن وحشد المواطنين والبلطجية وأسر الشهداء يعنى غياب المتابعة الأمنية والعجز عن المبادرة، وارتباك أركان دولة الثورة، وغياب الأداء الحكومى المتماسك والفاعل فى مواجهة عدد من الأزمات التى يمكن أن تنفجر فى أى وقت، ولأسباب بسيطة للغاية.
فالدولة المرتبكة غير قادرة على حسم خياراتها لصالح الثورة، وحكومة شرف المنقسمة على نفسها فشلت فى التقدم على طريق تحقيق أهداف الثورة، وتهربت عن مواجهة قضايا واستحقاقات كثيرة فى مقدمتها تفكيك نظام مبارك والتخلص من رموزه ومنهجه فى الحكم، وتحقيق العدل الاجتماعى، وسرعة وعلنية محاكمة رموز نظام مبارك، ومحاكمة ضباط الشرطة المسؤولين عن دماء الشهداء والجرحى، وتحقيق توافق وطنى على جدول زمنى بأولويات واضحة للتحول الديمقراطى وإجراء الانتخابات.
كل هذا الفشل أبقى على تراث ثقيل من القضايا والأزمات القابلة للانفجار فى أى وقت سواء نتيجة تفاعلات ذاتية أو أحداث غير مقصودة أو مؤامرات داخلية وخارجية، وبالتالى فإن أحداث الفتنة الطائفية فى إمبابة، والمظاهرات والاعتصامات الفئوية وأحداث مسرح البالون.. وغيرها من الأزمات قابلة للتكرار طالما أن حكومة الثورة والمجلس العسكرى لم يبادرا بتفكيك الأسباب البنيوية لكل هذه المشكلات والأزمات، فحتى الآن لم يصدر قانون موحد لبناء دور العبادة، ولم تتبن الموازنة المالية الجديدة رؤية جادة لتحقيق العدل الاجتماعى، ولم تحسم قضية الدستور أولاً أم الانتخابات، وحتى الآن لم يرع الحكم الجديد حوار مجتمعى حقيقى وجاد ووفق جدول أعمال واضح ومحدد، وسلطات واضحة.
الدلالة الثانية: أن الاستخدام المفرط للقوة ضد المواطنين فى التحرير يشير إلى أن الشرطة وأجهزة الأمن لم تستوعب حتى الآن دروس ثورة 25 يناير، فالمنهج الأمنى الذى كان متبعاً فى التعامل مع الأزمات السياسية – وثبت فشله – لا يزال مهيمناً على أداء وزارة الداخلية، وربما كان الجديد أن قوات الأمن المركزى عادت إلى مسرح الأحداث بعد الاختفاء المريب فى 28 يناير، وأن سلوكها ضد المواطنين أكد أنه لم يعد تأهيلها بل العكس، فإن أفرادها وضباطها قمعوا المواطنين بروح ثأرية.
الدلالة الثالثة: أن إعلامنا الحكومى والخاص فشل فى نقل أحداث مسلسل البالون، بل نقل آراء وتأويلات مختلفة تعكس مواقف متحيزة، وبالتالى لم يقف المواطنون على حقيقة الأحداث، ولم تتفق وسائل إعلامنا على كثرتها وتعددها وضجيجها على قصة واحدة أو حتى قصتين، بل شاهدنا وقرأنا قصصاً متضاربة ولقطات مثيرة، ومشاهد بلا سياق للأحداث، بل بدون معنى محدد، الأمر الذى يعنى أن إعلامنا يفتقر لكثير من القواعد المهنية، وأنه إعلام مسيس وادعائى يخدم مصالح الحكومة وبعض رجال الأعمال، وهو وضع يتطلب تدخلاً سريعاً وحاسماً من الإعلاميين أنفسهم.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
علي أحمد
100 خطوة للوراء
عدد الردود 0
بواسطة:
mahmouad said
اعلامنا وداخلية العيسوي كانوا نائمين !!!!