كثيرون يتحدثون عن الثورة وباسمها أو يبحثون عن تفسيرات لمقدماتها، هى ليست حدثا منفصلا عما سبقه.
ثورة لم تمنح سرها لأحد. روحها فى قوة الوحدة، وسرها فى بساطة الفعل، ونحن نبحث عن دروسها ربما يكون هناك شخص واحد كان يمكنه تفسير تلك الروح، إنه الدكتور عبدالوهاب المسيرى، العلاّمة، الذى مرت أمس ثلاث سنوات على رحيله. أول من نبه إلى سر الانتفاضة مبكرا، كما أنه وهو العالم الجليل شارك فى مظاهرات التغيير من 2005 حتى وفاته 2008، وتعرض للاعتداء من الأمن، وهو السبعينى المريض بالسرطان.
وكان أحد آباء الثورة، لم يعش ليراها، لكنه كان فى التحرير عندما كانت الوحدة تتجلى وتنبض بقلب واحد، قبل أن يقسمها المتعجلون والانتهازيون، وباعة الشعارات. المسيرى كان حاضرا فى التحرير برؤية العالم وتواضعه، والأمل الذى يمنحه بعلمه وصبره وتواضعه.
فى صيف 1990.. قرأت كتابه عن «انتفاضة الحجارة»، وقدمت له قراءة فى صحيفة شبه مجهولة. فوجئت به يطلبنى وبتواضع العلماء، يشيد بما كتبت، زرته فى منزله، استقبلنى كأننى صديق قديم. كان يفعل هذا مع الجميع.
الدكتور عبدالوهاب المسيرى تنبأ بالانتفاضة، عام 1984، وبعد أربع سنوات كتب دراسته «الانتفاضة.. دراسة فى الإدراك والكرامة». حاول استنباط قوانين الثورة السلمية.
كان الفلسطينيون كيانا واحدا، جذبوا تعاطف العالم وإعجابه، شعبا يواجه المحتل ويكاد يهزمه بلا سلاح غير الحجارة والتظاهر. وعجزت إسرائيل عن مواجهة الانتفاضة أو معرفة من يقف وراءها. كانت إبداعا فلسطينيا جماعيا لكل التيارات، فى إسرائيل أصيب جنود الاحتلال بأمراض نفسية وعصبية لأنهم كانوا خائفين من حجر أو خائفين بعد قتل شيوخ وأطفال عزل. ثورة مدنية، اعتمد فيها الفلسطينيون على أنفسهم، وواجهوا الحصار والدبابات بصدور عارية وحجارة، جعلت العالم يقف مذهولا من قدرتهم على مواجهة العنصرية والعنف. كان المسيرى يرى أن المقاومة ليست فقط سلاحا بلا عقل، وإنما توظيف لوحدة الشعب.
الانتفاضة اضطرت العالم للنزول عن تواطؤه مع الاحتلال. جاءت مدريد وأوسلو كنتائج، وبحثت إسرائيل عن السبيل لعدم تكرارها، واكتشف السر، ألا يكون الفلسطينيون واحدا، لم تتكرر الانتفاضة الأولى بالرغم من أن الانتفاضات التالية كان السلاح فيها أكثر، لكن الوحدة كانت أقل. نجحت الانتفاضة الأولى رغم سلميتها، وفشلت ما بعدها فى الأولى كان صوت الشعب أعلى، وبعدها كانت أصوات الفصائل والشعارات أكثر، الوحدة سر الثورة.
أهم قوانين الانتفاضة، والكفاح المدنى هو قانون القلب الذى تنبض خلاياه معا، اكتشفه المسيرى وكان يتصور أنها يمكن أن تتحول إلى نموذج يستمر.
نظرية المسيرى ما تزال صالحة لتفسير كيف تنجح ثورات العزل والمتحدين، وكيف يمكنها أن تستمر. إنه السر الذى جعل المسيرى إحدى أيقونات الثورة والانتفاضة.