يبدو فى حديث البعض عن المستقبل كما لو أننا بلا تجارب سابقة، ومر أمس 58 عاما على انطلاق إذاعة «صوت العرب» التى عاشت مجدها الكبير فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، وكانت سوطا ملتهبا على ظهر الاستعمار الذى ظل يمتص دماء الشعوب العربية لسنوات طويلة.
كانت «صوت العرب» صوتا ناضرا للمقاومة ضد الاستعمار فى كل الأقطار العربية، وشاءت ظروفى الصحفية أن أقابل وأقترب من الرجل الذى تصدى لمهمة تأسيسها بتكليف من جمال عبد الناصر، وهو الراحل فتحى الديب الذى روى لى قصتها كاملة.
كما اقتربت من الجيل الذى حمل على عاتقه مهمة تأسيسها، وعلى رأسهم الأساتذة الرائعون أحمد سعيد ومحمد عروق وصلاح زكى والسيد الغضبان، والجيل التالى مثل الأستاذين الكبيرين محمد الخولى وعبد الوهاب قتاية، وقمت بتسجيل قصة هذه الإذاعة مع الأستاذ أحمد سعيد، الذى تعرض لظلم كبير نتيجة الاختصار العمدى لتاريخه عند إذاعته لبيانات نكسة 5 يونيو 1967، فى حين أنه وباقى فريق «صوت العرب» كانوا الصوت الإعلامى لثورة الجزائر بقيادة أحمد بن بيلا، وصوت الشعب المغربى المتمسك بعودة الملك محمد الخامس إلى عرشه بعد أن عزله ونفاه الاستعمار الفرنسى، وصوت حركة الكفاح فى تونس ضد فرنسا، وصوت تطلع شعوب الخليج العربى إلى استقلالها عن الاستعمار البريطانى، وصوت ثورة اليمن عام 1962، والقضية الفلسطينية حين ذهبت إلى خيار البندقية مع الإعلان عن تأسيس حركة فتح، وأتذكر قول بن بيلا فى مقابلة لى معه: «صوت العرب كانت صوتنا جميعا».
لم تكن صوت العرب صوتا سياسيا فقط، وإنما كانت قبلة المثقفين والفنانين العرب، جاء هؤلاء إليها باعتبارها صوتا إعلاميا رائدا لا إعلاما «غوغائيا»، كما يردد البعض من باب تصفية الحسابات مع التجربة الناصرية، وهى النظرة التى تتجاهل أن هذا الإعلام الذى قادته «صوت العرب» أنزل رايات الاستعمار من الأقطار العربية لترتفع أعلامها، وبالتالى فى تاريخنا تجربة رائدة تستحق التذكير والبناء عليها وفقا للمستجدات.
سيرد البعض على كل ذلك بالتذكير بنكسة يونيو 1967، ومع التسليم بفداحتها، إلا أن تاريخ الشعوب لا يتوقف، فبعد النكسة جاءت حرب الاستنزاف المجيدة وانتصار أكتوبر 1973.