لن تصل لجان التقصى إلى شىء، ولن يعرف أحد ما جرى فى التحرير يوم الثلاثاء، أو مساء الأحد. سوف يقولون ما سبق وأعلنه كثيرون. ولانتوقع أن تقول تقارير لجنة المجلس القومى لحقوق الإنسان عن أحداث التحرير شيئا جديدا، يضيف إلى ما أدلى به أعضاء اللجنة فى الفضائيات والصحف، إعادة وصف الموصوف.
سنسمع كلاما كثيرا، ولن نعرف بالضبط من المتسبب فى الأحداث. نفس ما جرى فى إمبابة. التى تجرى محاكمات المتهمين فيها، وبالرغم من المحاكمة لم نصل إلى الفاعل، وستبقى الاتهامات مشرعة وموجهة إلى مؤامرة ما، أو فلول ما، ستظل غامضة، لأننا نبحث عنها خارج الميدان.
قبل أن تنهى لجنة المجلس عملها حول ما جرى يوم الثلاثاء الماضى، وقعت أحداث مساء أمس الأول الأحد، حرائق ومعارك بالحجارة والأسلحة البيضاء. قالوا إنها بين المعتصمين والباعة الجائلين، وقالوا إن بلطجية هاجموا المعتصمين الذين قرروا الاستمرار حتى مليونية الجمعة.
قبل أن نعرف أحداث البالون والميدان، دخلنا فى معركة جديدة وحرائق جديدة، من الصعب أحيانا أن نميز فيها بين البلطجى والمواطن. والنتيجة حتى الآن تشويه الصورة فى التحرير، وجعل الأمور مختلطة، يصعب فيها التمييز بين البلطجى والمتظاهر. وهو هدف يبدو مقصودا ومرسوما بدقة. ولايمكن التوصل إلى الفرق فى الشكل بين المتظاهر والبلطجى. ولا يوجد شخص يضع فى خانة المهنة «بلطجى»، حتى يمكننا أن نتعرف عليه، ولا توجد مواصفات محددة تفرق بين الناس وبعضها.
كان ميدان التحرير لحظات تجليه مثالا على هذا. لم تكن التفرقة بين الناس ممكنة، مع اختلاف الملابس والملامح، كانت صورة واحدة صنعت إنجازا. لكن كثيرين لم يرضوا باستمرار المشهد. وحرصوا على أن يتفتت.
انشغل كثيرون بالغنائم قبل انتهاء المعارك. وانصرفوا إلى صورهم يضعونها مكان صورة التحرير. و عند كل معركة طائفية أو بلطجية سوف يصرخ كل من الطرفين بأنه هو الثورة والباقون بلطجية.
اتهامات لم تنجح حتى الآن ولا تكفى، لتفسير المعارك الجانبية والحرائق الفرعية. ولا تجيب عنها لجان التقصى.
السؤال الأهم، حول من يسرقون الثورة، هم من سحبوها إلى مناقشات بيزنطية وخلافات حول أولوية الظهور، والحديث، وهم ليسوا غرباء عن الثورة، والخطر الحقيقى يأتى من هؤلاء الذين احتلوا الصورة، وغطوا على صورة التحرير. الكل يتحدث عن الثورة والشهداء والدم، يريدون أنفسهم، ويعبدون صورهم. ويسرقون سر الثورة «قانون القلب».
البلطجى ليس هو الذى يلقى الحجارة، ويضرب بالسنجة، لكن البلطجى الحقيقى هو من يصادر آراء الآخرين وحقهم فى الوجود، وبعضهم عين نفسه متحدثا باسم الثورة والشعب دون أن يفوضه أحد. الانتهازية والبلطجة فى القلب والعقل. قبل أن تكون فى اليد واللسان. وعلى كل من هؤلاء أن يراجع نفسه ويبحث فيها عن البلطجى.