فى مدارس مصر المحروسة، ما يقرب من مليون ومائتى ألف معلم، مفروض أن يكون إعدادهم وتكوينهم قد تم فى كليات التربية المنتشرة فى مختلف المحافظات، ومن المتوقع أن نسمع من أولى الأمر، أن كليات التربية لا تقوم بمهمة التكوين والإعداد، على سنة الله ورسوله، ونحن مع التسليم بذلك، يجب أن نأخذ بعين الاعتبار ما يلى: أولا- أن «القماش» الذى نتلقاه فى صورة مخرجات من التعليم العام، يجىء فى حال لا يسر عدواً ولا حبيباً، ثانيا - وهو ما يتصل بأولا، هو أنك لو سألت القائمين بأمر كليات الطب: هل ضميركم راض عن حال التعليم الطبى؟، وتكرر السؤال للقائمين بأمر التعليم بكليات التجارة..وهكذا، عدة كليات، فسوف تجد أن الضعف، يتخلل المنظومة الجامعية كلها.
ربما تختص كليات التربية بخاصية غير موجود فى كليات الإعداد المهنى الأخرى، فى كليات التربية، تجد نظامين: نظام يستقبل خريجى التعليم الثانوى العام، حيث يدرس مواد التخصص التى يُغد لتعليمها بعد التخرج، بالإضافة إلى مجموعة من العلوم التربوية والنفسية، ويسمون هذا النظام بالتكاملى، والثانى، تستقبل فيه كليات التربية خريجى الكليات الجامعية المتخصصة ممن يريدون العمل بالتدريس، ليتفرغوا مدة عام لدراسة العلوم التربوية والنفسية، وهو ما يسمى بالنظام التتابعى. وشهد تاريخ التعليم فى مصر صراعا طويلا بين النظامين، حتى أُلغى ما كان يسمى «بمدرسة المعلمين العليا»، بدءا من عام 1929، ليقتصر الإعداد على خريجى الجامعات، الملتحقين بمعهد التربية العالى للمعلمين، لمدة عام، والذى أصبح كلية وحيدة للتربية بجامعة عين شمس، حتى عام 1952، عندما تم إحياء النظام الآخر مرة أخرى، فى صورة كليات للمعلمين، ولما ضمت كليات المعلمين للجامعات بدءا من عام 1965، بدأ الصراع يعود مرة أخرى بين النظامين، إلى أن حُلت المشكلة بشكل بسيط للغاية: فإذا كان لكل نظام مميزاته وعيوبه، فلم لا نجمع بينهما؟ وتم هذا عام 1971، وأصبحت كليات التربية تستقبل طلاب الثانوية العامة وفق النظام التكاملى، وكليات الجامعة الأخرى وفقا للنظام التتابعى.
ولو كان هناك نظر ثورى حقيقى لحلت المشكلة بأن تكون مدة الدراسة بكليات التربية خمس سنوات، حتى يحصل طلابها القادمين من التعليم الثانوى على إعداد فى مواد التخصص يساوى ما يستغرقه زملاؤهم فى كليات الآداب والعلوم، بالإضافة إلى التأهيل التربوى والنفسى، لكن المسؤولين يدفعون بأن التكلفة تنوء بها ميزانية الجامعات بيد أننا نسأل على الفور: ألا تستحق عملية تكوين وإعداد من يُنشِّئون ملايين من أبناء هذا الوطن، هذه التكلفة؟
إننا ندعو إلى مؤتمر عاجل من أساتذة كليات التربية، مع مسؤولى وزارتى التربية والتعليم، لا تكون القيادة فيه بالضرورة للقيادات التنفيذية، خاصة الماضية، والحالية، فنحن نعرف كيف كان يتم اختيارهم عن طريق أمن الدولة، بمواصفاتها المعروفة والمقززة، إلا من رحم ربى، بحيث لابد من تطبيق القاعدة نفسها السياسية، ألا وهى تجنب «فلول النظام البائد»، علما بأنهم خبراء فى التلون، مثل الحرباء، لكن مجتمع التربويين يعرفهم معرفة جيدة!
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د/سامي السهم
تجار العلوم التربوية