حنان حجاج

ثورة الفقراء.. البلطجية «سابقًا»

الجمعة، 08 يوليو 2011 04:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
19 مليونًا عدد (البلطجية) فى مصر، حسب التقارير الرسمية، حيث يصل عدد هؤلاء إلى 21.5% من الشعب المصرى الذى يقارب 86 مليونًا، بينما تشير تقارير أخرى (تقرير التنمية البشرية العربى) إلى أن العدد الحقيقى لهؤلاء يصل إلى حوالى 34 مليون مواطن، بنسبة تصل إلى 41% من عدد السكان.

يعيش أغلب هؤلاء (البلطجية) فى حوالى 1171 منطقة عشوائية، تضم القاهرة وحدها حوالى 60% منها، بعدد سكان 6.5 مليون بلطجى. أما ريف مصر وصعيدها - حسب آخر تقرير لوزارة التنمية الاقتصادية فى العهد الساقط - فهما يضمان ظاهرة أخرى (للبلطجية)، وهى البلطجية القروية التى تختلف عن البلطجية العشوائية، حيث يوجد بها حوالى 1141 قرية، تصنف باعتبارها القرى الأكثر فقرًا، على اعتبار بديهية سلمنا بها جميعًا، وهى أن كل القرى المصرية أصلاً قرى فقيرة، هذه القرى - الأكثر فقرًا - بها حوالى مليون أسرة، هذا الرقم الضخم للبلطجية وهذه التوزيعة الجغرافية بين ريف وحضر ومدن، وبين سكان وادٍ وسكان صحراء؛ تعنى أن فى مصر دولة أخرى موازية، هى دولة البلطجية، وقبل أن أكمل أعلن الآن وفورًا أن أكثر كلمة أكرهها هى كلمة بلطجى، وبناء عليه سأكتفى بما استخدمته منها حتى الآن وسأستخدم الكلمة الحقيقية، مواطن فقير.

هذه الدولة الفقيرة هى التى وقف أحد مواطنيها فى وسط ميدان التحرير يوم الأربعاء قبل الماضى، عندما ذهبت لأرى ما حدث، وقف المواطن العشوائى الذى يشبه وجهه وجه مومياوات الفراعنة فى المتحف المصرى القريب يصرخ (الثورة الجاية ثورتنا، ثورة الفقراء، إحنا محسّناش بالثورة لسه، مش لاقيين لقمة عيش لولادنا لسه، مش لاقيين علاج ولا بيوت ولا شغل.. الثورة الجاية إحنا اللى هنقوم بيها، ثورة الفقرا حتى لو قالوا علينا بلطجية).

الفقر يا سادة هو الرحم الحقيقية التى تولد منها الثورات، صرخة الجوع لا تقِلّ قوة عن صرخة التعذيب، كسر ظهور الفقراء وغليان رؤوسهم تحت شمس الصيف الحارقة فى طابور العيش لا يقلان ألـمًا عن انكسار روح الشباب الحالمين بالحرية، فراشات الميدان وكل ميادين مصر التى سقطت برصاص الغدر كلها كانت لها الأجنحة نفسها والألوان نفسها، وكلها حملت اللقب نفسه (شهيد). الفقراء (البلطجية سابقًا)، حتى من أصبح منهم بلطجيّا حقيقيّا لم يختر هذا، بل تم إجباره تحت ألم الحاجة وذل السؤال، وقهر الأمن، أطعموه وسقوه وسلحوه وقالوا له: أن تخدم النظام - والنظام يعنى البلد - إذن أنت تخدم البلد.

صنعوا مجرمًا وقبلها صنعوا مهنة، وأعطوها قوة القانون وشرعية الوجود، لم يكتف النظام بطابوره الضخم من البلطجية الرسميين، وقرر أن يستثمر دولة الفقراء التى صنعها عبر سنوات من حكم يستحق بجدارة اللقب (بلطجى)، ارتكب النظام الفحشاء مع فقراء مصر فأنجبت مصر البلطجية، وتكاثر النسل حتى أصبح ثلث الشعب المصرى مشروع بلطجى.

كل الفقراء سواء، كلهم يلبسون ملابسهم من على أرصفة وكالة البلح، وسوق العتبة، كلهم يعشقون الشعر المفرود والمحبوس تحت طبقات الجيل الرخيص، كلهم تشاجروا يومًا مع عيال الشارع الذين لا يملكون غيره؛ ليمارسوا طفولتهم، فتركت المشاجرات أثرها على وجوههم كلهم، تربّوا على أن الرجولة قوة وأن من لا يحمى نفسه تنهشه الكلاب، فصادقوا المطواة، لكنهم عندما جاءت الثورة ألقوا بها وثاروا ثورتهم الحقيقية، وإذا أردتم أن تتأكدوا فانظروا إلى أقسام الشرطة التى تم حرقها لتعرفوا كيف ثار الفقراء، مع من ساومهم على رجولتهم ليكونوا إما مخبرين أو منتهكين أو بلطجية، والجميع - حتى من ضل - لم يكن يبحث سوى عن لقمة العيش والحماية من بطش أمن النظام.

الآن تعود الثورة الحقيقية مرة أخرى ثورة التغيير والحرية والعدالة الاجتماعية لتعلن وحدة مصر، شعبًا وبلطجية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة