لما كل هذه الدماء التى يتم إهدار المزيد منها على أرض مصرنا المعمورة مع شمس كل يوم جديد؟ سؤال أظن أنه يشغل فى هذه اللحظة بال الكثيرين من محبى هذا الوطن، والذين عشقوه دوما كتربة للتسامح وواحة للتعايش وساحة رحبة لقبول الآخر أيا كان فكره أو دينه.
لا يمكن لأى منا أن ينكر طبيعة اللحظة الفارقة التى نعيشها، والتى تبدو حرجة بكل المقاييس، لأنها خاصة بوطن يولد من جديد بعد أن ظل قابعاً فى رحم الظلام طوال الثلاثين عاما الماضية، ومن الطبيعى أن ينعكس هذا المشهد على حالة كل منا النفسية وعلى تصرفاته.. من المقبول أن نقلق، ومن الطبيعى أن نتوتر، ولكن من غير المفترض على الإطلاق أن نحول الوطن لساحة حرب مفتوحة يسعى فيها كل منا لإثبات رجولته فوق دماء أخيه.
بعيداً عن التهوين والتضخيم، تبقى الحقيقة بالغة المرارة، وهى أن مصر بعد الثورة صارت فى المحصلة أكثر عنفاً، وهو ما تؤكده نشرات الأخبار والتقارير التى تنشرها الصحف المختلفة إلى الحد الذى أصبحت فيه المشاجرات والأسلحة النارية والبيضاء بعضا من مفردات حياتنا اليومية، وبعضا مما يردده أطفالنا على سبيل اللهو والمزاح فى بعض الأحيان.
لم نكن مجتمعاً مستقراً أو آمناً قبل الثورة، ولم تكن حوادث القتل والاختطاف والاغتصاب وغيرها من الجرائم المروعة بعيدة عنا، فهذه الظواهر بطبيعة الأشياء، وللعديد من الأسباب الاجتماعية تحدث فى العديد من المجتمعات، خاصة المتطورة والمزدحمة بين الحين والآخر.
التباين الرئيسى الذى حدث فى اعتقادى هو أن الكثيرين منا يشعرون الآن أنهم تحرروا من القيود التى كانت تكبل ردود أفعالهم قبل الثورة، فقبضة رجل الشرطة أو المرور القوية اختفت وهيبة مؤسسات الدولة القوية تداعت إلى حد كبير، وصارت مقولة "خد حقك بايدك" هى القانون الرئيسى الذى يحكم تصرفات الكثير من العامة فى مصر اليوم.
وأظن أن موقفاً كهذا يتطلب منا جميعاً أن نقف لالتقاط الأنفاس، وأن نفكر جيداً فى كيفية إعادة الأمور إلى نصابها الصحيح، فما هكذا كنا فى يوم من الأيام، ولا يجب أبداً أن نكون.. فنحن جميعا كمصريين نحب الحياة والتسامح يجرى فى عروقنا كالدم.
كانت الثورة بالنسبة لنا حلماً جميلاً، طالما رواد خيالنا الذى ظل لسنوات طويلة أسيراً خلف قضبان النظام السابق، وهى اليوم تعنى بالنسبة لنا وطناً كبيراً كلنا فيه أسوياء كأسنان المشط، وهى أيضا لسان لا يخشى الكلام، وهواء طلق لا يمكن لنظام أن يحجبه، وهى فوق هذا كله احترام للآخر، وقبول وتعايش كامل معه حتى نسعد معا بالأمن والأمان.
مهما كانت الصعوبات والتحديات أعلم أننا جميعاً نريد أن نبنى مصر طوبة طوبة، بعد أن طالتها عوامل الهدم والتعرية طوال السنوات الماضية، وكما أن اليد التى تبنى لا تعرف الهدم، فإن اليد التى تزرع وتحصد لا يمكن أبداً أن تمتد بسوء إلى أخيها مهما كان هذا هو دستور الثورة الذى يجب أن نتلوه معا صباح مساء، ليتوقف شيطان العنف والتدمير فى نفس كل منا.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سيد زكي
الله ينور
فتح الله عليك يا أبو السيد
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد إسماعيل
الله ينور عليك
عدد الردود 0
بواسطة:
عمر منطاش
مقال رائع