لدينا حالة من ازدياد العنف الاجتماعى، صار عاديا أن تقع مشاجرات وصدامات تؤدى إلى سقوط قتلى، يحدث ذلك يومياً، ولنتأمل مشاجرة الموسكى، التى سقط فيها أربعة قتلى والجرحى بالعشرات، وفى اليوم التالى مباشرة كانت هناك مشاجرة فى السيدة زينب وثانية فى إمبابة، وبعدها مشاجرة فى بولاق الدكرور، وهكذا يوميا فى القاهرة، أم خارجها فحدث ولا حرج، يكفينا ما جرى فى «جرجا»، مما أدى إلى فرض حظر تجول بالمدينة.. وفى إحدى قرى كفر الشيخ أمسك الأهالى بأحد البلطجية، وقاموا بفصل رأسه عن جسمه ثم قطعوا يديه ورجليه، وأخيرا قاموا بتسليم ما تبقى من جسده إلى الشرطة، وهنا نتساءل: لماذا لم يلجأ الأهالى إلى الشرطة حين أمسكوا به، وتتم محاسبته ومحاكمته وفق القواعد القانونية؟
نحن نعيش حالة الثورة، وفى العادة يصاحب الثورات بعض أشكال العنف الاجتماعى ولأسباب عديدة، فى أثناء ثورة 1919 ظهرت عمليات ريا وسكينة، وقد قدر لعصابة ريا أن تعرف إعلامياً، لكن كانت هناك عصابة شابة تماما وإن كانت أشد خطورة ظهرت فى مدينة طنطا، ولم يتم التركيز الإعلامى عليها، وفى أيام ثورة 1952 انتشرت جرائم السطو والسرقة بالإكراه، خاصة فى الريف بالوجه البحرى والصعيد، فضلاً عن انتشار سرقة ونهب المزروعات وإحراق الحقول وسرقة المواشى.. ما أريد أن أصل إليه ألا يتصور أحدنا أن ثورة 25 يناير حالة خاصة أو أنها بالذات أدت إلى عمليات العنف الاجتماعى، التى نشاهدها.. ويجب القول إن هناك أسبابا قد تبدو مضوعية لازدياد معدلات العنف، منها اتساع انتشار الأسلحة فى أيدى بعض الأفراد أو المجموعات بسبب مهاجمة عدد من أقسام البوليس وسرقة ما بها من أسلحة أو دخول أسلحة إلى البلاد عبر الحدود، خاصة حدودنا مع ليبيا بسبب ما يجرى هناك، فضلاً عن الأنفاق بين سيناء وفلسطين وانتقال الأسلحة عبرها، كان الهجوم على قسم شرطة العريش بأسلحة ثقيلة، أى أنه بين يدى الأفراد أسلحة لا تتاح إلا للجيوش النظامية، وفى الحالة الثورية، خاصة مع سقوط نظام سياسى وتشكل نظام سياسى آخر جديد، تضعف هيبة القانون وربما قيمته فى نظر بعض الفئات، خاصة إذا كان القائم على تنفيذ القانون ضعيفاً أو غير موجود، وهو جهاز الأمن، وكلنا يدرك أن جهاز الشرطة لدينا ليس فى أفضل أحواله.
الأخطر من ضعف هيبة القانون، هو ضعف هيبة الدولة ومعنى وجودها لدى بعض القطاعات، ومن ثم يحدث الارتداد إلى مرحلة ما قبل الدولة، أى المرحلة العشائرية أو القبلية والعائلية، ما جرى فى الموسكى كان صراعاً بين عائلتين وما حدث فى السيدة زينب كان شبيها بذلك.. فإذا كان هذا يحدث فى قلب العاصمة، فكيف الحال خارجها حيث سطوة العائلات أكثر ونفوذها أشد.. إن عمليات قطع الطرق التى حدثت وتحدث يومياً، سواء الطرق الزراعية أو الطرق الصحراوية، تذكرنا بما كان يحدث فى مصر قبل عصر محمد على، أى فى القرن السابع عشر، وقد جرد محمد على حملات وخاض معارك حربية ليقضى على تلك الظاهرة وأمكن له أن يواجهها، لكننا اليوم عدنا إليها، فى القرن الحادى والعشرين أى الارتداد إلى عصر يوصف بأنه عصر الظلام فى تاريخنا.
كل هذا الذى نعانيه يجب أن يكون شيئاً عارضاً، وعلينا أن نعمل على الحد من عمليات العنف الاجتماعى، لأنه إذا اتسع يمكن أن يؤدى إلى ما يشبه حرب أهلية، وقد حدث ذلك فى عدد من البلدان سواء فى فترة الثورة أو التحول السياسى من نظام إلى آخر، وفى التاريخ نموذج الثورة الفرنسية وفى الواقع ما جرى فى العراق الشقيق بعد سقوط نظام صدام حسين فى عام 2003، ناهيك عما جرى فى يوغسلافيا بعد تفكيكها حيث انتهى الأمر إلى عمليات تصفية عرقية ودينية، لكن أمكن فى عدد من بلدان أوروبا الشرقية عبور هذه المراحل بسلاسة.
العنف الاجتماعى الذى نراه يحد منه استعادة هيبة الدولة وسيادة القانون، أى أن تكون لدينا دولة القانون، بأن يطبق القانون على الجميع بشفافية ونزاهة، وأن يكون للقائمين على تنفيذه مصداقية فى نظر الرأى العام.. وقبل كل هذا وبعده يجب استعادة الأسلحة، التى تسربت أو سرقت، وربما هربت إلى مواطنين عاديين، وأتصور أن روح الثورة التى أسقطت نظاما متسلطا ودموياً قادرة على مواجهة كل العوارض التى تعترض طريقنا ومن أخطرها العنف الاجتماعى.