مظاهرات الجمعة الماضية كانت حديث كل وسائل الإعلام قبل حدوثها. كلها أعلنت انسحاب كثير من الأحزاب والجماعات والائتلافات منها. فى نهاية الأسبوع كثر الحديث عن إرجائها. هكذا صار كل مواطن على يقين من فشلها أو عدم تحققها. بالنسبة لى لم أكن محبّا لدعوة الصوفيين لنزول الميدان فى مواجهة السلفيين، كما أعلن الصوفيون.. ليس لأن هذا يشكل نوعًا من الخطر لكن لأنى أعرف أن نزول الصوفيين إلى السياسة أمر بعيد الاحتمال. وكما توقعت لم يحضر الصوفيون، كما أنى لم أكن أميل إلى شعارات من نوع فى حب مصر، فهذا كلام عام يمكن الرد عليه بأننا نحب مصر دون النزول إلى الميدان.. نزول الميدان فى رأيى يكون تحت شعارات سياسية.. لقد حدث من قبل مثلاً من أجل الإسراع فى المحاكمات وعلانيتها وتمت الاستجابة.. وعلى هذه الطريقة يمكن أن يكون من أجل أهداف كثيرة باقية.. هكذا لا تكون هناك فرصة فى التشكيك فى نزول الميدان. المهم.. نزلت الميدان فى الساعة حوالى السابعة.. عدد قليل يقف أو يجلس، وتلتهب الهتافات عن الدولة المدنية وغيرها. لقد تناولوا إفطارهم بسرعة.. الفتيات أمام الشباب ويقُدنهم فى الهتاف.. قوات الشرطة العسكرية تحيط بالحديقة الوسطى.. وبين حين وحين تأتى قوات أخرى منهم أو من الأمن المركزى بكثافة تدخل إلى الميدان وتستقر جالسة فى الحديقة خلف الواقفين، فلا يراهم أحد. عربات الأمن المركزى تملأ شارع محمد محمود وشارع التحرير وشارع طلعت حرب، كأنه يوم القيامة. الطريق مفتوح للسيارات قادمة من قصر العينى وقصر النيل ومحمد محمود تخترق الميدان. كان واضحًا أن الأعداد تتزايد، وطريق السيارات ينكمش ورجال الشرطة يصرّون على مرور السيارات، والشباب لا يمانع بل يحاول المشاركة فى النظام. فجأة مرّ عدد من الشباب أمام قوات الشرطة العسكرية التى تحيط بالميدان. يبدو أن الهتافات لم تعجب أحدهم أو بعضهم، فامتدت الأيدى تمسك ببعض الشباب فحدثت الواقعة. هجم الشباب يخلصون زملاءهم وهجمت الشرطة العسكرية بالعصى، فتراجع الشباب وبدأ الرشق بالحجارة الذى أيضا تبادلته معهم الشرطة العسكرية بكثافة. لا أعرف من أين أتوا بالحجارة. البعض قال إن أكوامًا منها مجهزة فى الحديقة.
ما علينا.. المهم اندفع عدد من الشباب وصنعوا سياجًا أمام الشرطة العسكرية يتلقون الحجارة عنهم وارتفعت الصيحات سلمية سلمية، فكف زملاؤهم.. استغرق الأمر خمس دقائق لا أكثر. أنهاها الشباب حين صنعوا سياجًا حول الشرطة. أى كلام غير كده كذب.. لقد شاهدت ذلك بنفسى.. وتزايدت الأعداد.. خفت أن يتكرر الأمر.. وجدت أحد لواءات البوليس.. تحدثت معه بعد أن عرفته بنفسى.. قلت له الليلة يمكن أن تمر على خير لو أمسكت حضرتك بالميكروفون وأعلنت للشباب أن أحدًا لن يتعرض لكم، وأن تعبروا عن أنفسكم كما تشاؤون، لكن نرجوكم أن تخلوا الميدان ساعة السحور. قلت له أنا متاكد أنهم سيستجيبون لك. فاجأنى: وما ذنب السيارات أن تتوقف عن عبور الميدان؟ أدهشتنى الإجابة. قلت له السيارات يمكن أن تمر من حول الميدان. مرور السيارات محاولة لإفشال الليلة ولكنها مادامت بدأت فستستمر. فجأة قال له أحد الشباب: ما تسيبوا الجنينة واحنا نقف فيها بعيدًا عن الشارع، وهتف شاب آخر: يعنى ما شفناكوش يوم السلفيين. قال لى سعادة اللواء: شفت؟.. قلت له: ولديهم كلام مقنع أكثر من ذلك لكن أرجوك حاول مع المسؤولين ما قلته لك. تركنا ومشى ينظم المرور الذى كانت مساحة السيارات فيه تضيق لحظة بعد أخرى. مشيت مندهشًا مما قاله، وحمدت الله على انتهاء النقاش بسرعة، لأن الشباب كانوا يحتدون فى أسئلتهم الحقيقية، وبدا أنه لن يحيد عما جاء من أجله. مرور السيارات!! يا الله، كم توقفت السيارات بالساعات فى بلادى ليمر مسؤول لا قيمة له. المهم ازدادت أعداد الناس وغنت إحدى الفرق الدينية أناشيد متنوعة. وفى منتصف الليل بدأ الشباب يفكون المنصة التى أعدوها وينصرفون فى هدوء. حافظ الشباب على سلمية الاجتماع.. وكان من المشاهد التى تثير الشفقة وقوف الجنود، حتى فى ساعة الإفطار، بلا إفطار. كثير من الشباب قدموا لهم الماء والعصير. وبعض الشباب كان يضحك معهم ويسألهم: إنتم حتفضلوا معتصمين لحد إمتى؟ وبعض الجنود يضحكون على استحياء أو خوفًا من ضباطهم. فى النهاية التزم الجميع بسلامة الاعتصام. الدعوة للجمعة القادم كبيرة وأتمنى أن يحدث فيه ما طلبته من اللواء، وهو حوار بين الشرطة والمعتصمين: إن لكم الميدان بلا منغصات حتى السحور. شيئًا فشيئًا سينتهى التوتر وتمضى الأمور بشكلها المتحضر كما ينبغى أن تمضى.. وكما فعلها الشباب الطاهر الذى نزل الميدان الجمعة الماضى، وجعل من نفسه سياجًا يحمى الشرطة العسكرية التى بادأته بالعدوان.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة