فاطمة ناعوت

عيب فى رمضان!

الثلاثاء، 16 أغسطس 2011 04:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عيب، كلُّ العيب، أن يحدث مثل هذا فى مصر الجديدة، وفى أول أيام رمضان، شهر التراحم والشعور بالجائع والضعيف والمأزوم. فقرة «تريقة» فجّة، تفتقر حتى إلى خفّة الظل المصرية الشهيرة، تنتسب اعتسافًا إلى برنامج «كوميدى»، اسمه «نشرة الأخبار»، على قناة دريم. تريقة مُسفّة أطلقتها المذيعةُ فى حق السيدة سوزان ثابت، زوجة الرئيس المخلوع، وهى تحكى عن ذكريات طفولتها، ثم صباها، ولقائها الأول بزوجها الطيار، الشاب آنذاك. مفردات من قبيل: (دوام الحال من المحال والنبى يا أوختى يا سوزى...) مع مطّ الكلمات على نحو سوقىٍّ مبتذل، لا يليق بالمصريين! خاصة حين نتخيل كيف كانت هذه المذيعةُ ذاتُها، أو سواها، تتكلم مع سوزان مبارك، أو عنها، حينما كانت سيدةَ مصر الأولى، فقط قبل شهور قليلة. عيب جدّا الاستقواء بضعف الآخر. ليست هذه شيَم المصريين! فالقوةُ لا تكون قوةً، إلا أمام قوة الآخر. وهو ما فعله الكتّابُ المصريون الشرفاء، إذْ كانوا يساجلون الرئيسَ ونظامه وهو فى سُدة الحكم، بشرف ورصانة ورُقىّ ودون إسفاف، وبعدما تنحى كفّت أقلامُهم عنه، وتحولت صوب بناء مصر. تحيةً لهم، وجميعنا نعرفهم بالاسم. حتى إن سلك خصمُنا سلوكًا غير نبيل تجاه شعبه، فجوّعه وأمرضه واستلب حقوقه، إلا أننا، نحن الشعب، لطالما أثبتنا أننا أرقى من حُكّامنا. نقدمه للقصاص العادل، ولكن لا نستثمر ضعفه لنبرز قوّتنا، ونضحك! وهو ما ذكرتُه فى مقالى بـ «المصرى اليوم» قبل عامين، تحت عنوان «وأكره اللى يقول آمين»، حين مات حفيد الرئيس، فقلتُ إن الذين حزنوا على مُصابه هم الجوعى والمقموعون من شعب مصر، والمعارضة والمناهضون لسياساته، لأننا شعبٌ محترم لا يخلط الأوراق. نساجلُ الحاكمَ ونرفضه حاكمًا، لكننا نحزن إن ألمّت به واقعةٌ إنسانية. هو عينُ الرُّقى الذى شاهدناه خلال 18 يومًا بميدان التحرير فى يناير، (أرقى برهة عاشتها مصرُ، خُلقيّا وثقافيّا وسياسيّا)، حين كان الثوار يُنزلون أية شعارات بذيئة يرفعها هذا أو ذاك، ليرفرف عاليًا شعارٌ واحد وحيد محترم وراق: «اِرحلْ».

ثم تبدأ المذيعة فى تشويه مصطلح سياسى شهير: «القوى الناعمة». كأن الشعب «ناقص» تشويه مصطلحات فى هذه البرهة الزمانية الحرجة التى ينتعش فيها تخريبُ الوعى وتضليل الناس! قالت بالحروف الممطوطة ذاتها: «القوة الناعمة هى النعومة الحريمى التى تمارسها الست الغلبانة اللى مش عندها عضلات جوزها ولا فلوسه، تعمل إيه؟ تحمّر حتة لحمة وتلبس له أحمر وتخليه يعمل اللى هى عاوزاه»!

وأترك أساتذة العلوم السياسية يشرحون لها مصطلح Soft Power من كونه التأثير على الناس بالقوى المعنوية والروحية والثقافية التى لا تستخدم السلاح المباشر «القوة الخشنة»، Hard Power كالرصاص والقنابل، بل باستخدام الميديا الإعلامية كالأفلام والكتب والشعر وغيرها من الأسلحة الناعمة. ما المانع أن تتم الكوميديا الراقية، وهى لعبةٌ مصريةٌ بامتياز، مع تزكية وعى الناس وثقافتهم، أو على الأقل عدم تفريغهم من معارفهم؟

وفى مقابل هذا الاستخفاف بالمُشاهِد المصرىّ على فضائيات رمضان، نشاهد أيضًا على «دريم» وعيًا رفيعًا وثقافةً أصيلة تقطر من الفنان المحترم «حمدى أحمد»، مع الإعلامى «جمال الكشكى» فى برنامج «الرجل الثانى». يحكى عن «القوة الناعمة» الراهنة كالأغانى الهابطة التى عملت خلال عقود على تشويه معارف المواطن المصرى وذائقته، بعدما تربت الأجيالُ السابقة على صوت أم كلثوم وعبدالوهاب. ويطالب بسنّ قانون يُجرِّم تشويه الوعى والذائقة، وأتفق معه فى هذا. نعرف منه أن «الرجل الثانى» محور اهتمام الأسرة المصرية، التى تعمل على تنشئة الابن الأكبر ليحلّ محلّ رب الأسرة، عن طريق شحنه بقيم الرجولة والأصالة والنبل. يحكى عن «الطبلية» التى جمعته بأسرته فى سوهاج، حين مدّ الأبُ يده ليفتتح الغداء. وقبل توزيع الطعام على الصغار، ينظر إلى ابنه الأكبر ويسأله: «زرت عمك فلان؟ فلم نره فى صلاة المغرب والعشاء ولا صلاة الظهر». فيومئ الابنُ فى خجل: «سأزوره، لم أجد الوقت». فيرسم الأبُ خطّا وهميّا على الطبلية، قائلاً: «حدُّ الله بينى وبينك!»، وينفضُّ شملُ الصغار دون طعام. هنا يعطى الأبُ درسًا تربويّا لأبنائه، هنا يُربَّى «الرجل الثانى». ونتعلم منه أن السينما المصرية تختار البطل/ «الرجل الأول» أوروبىَّ الملامح، بشعر ناعم وعيون ملونة، بينما تُـحمِّل «الرجلَ الثانى» بالقيم المصرية الأصيلة. هو الفلاح المصرى المشبّع بالحكمة والأخلاق والقيم.

شكرًا للرجل الذى سمعته يقول لأبنائه قبل سنوات: «لن أترك لكم أراضى أو قصورًا، بل أترك لكم اسمًا تفخرون به». صدقتَ يا حمدى أحمد.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة