قبل أن تقرأ..
هناك فى سرير ما داخل مستشفى أو منزل، يرقد أحد أحبائك أو معارفك كسير العين والقلب فى انتظار زيارتك، وما تصحبها من دفء المودة، وإعانة معنوية، فلا تتأخر عنه، بحق الشهر الكريم وتلك الأيام «المفترجة»، عد إلى أجندة معارفك، وراجع قوائم الذين سقطوا منك سهوا.. قبل أن تسقط أنت عمدا.
تسأل عن أخبار صديقك الذى شغلتك الدنيا عن مودته، يقولون: ألم تعلم؟! لقد مات!، وقبل أن تسأل إمتى وفين وحصل إزاى؟ تسرقك من نفسك برقيات التعازى الكلامية الطائرة.. البقية فى حياتك، أو شد حيلك، أو حسبما يتوفر لدى السادة المعزين من كلمات.
أصبح الأمر مكررا.. تسمع خبر وفاة أحد أقاربك أو أصدقائك وكأن الموت يمشى فى الشوارع ليل نهار، وأصبح الأمر أكثر تكرارا وأنت تسمع أن فلانا لا يفارق سريره، لأن المرض «الوحش»- يمكنك نطقها بفتح الواو أو كسرها- قد تمكن منه.
أتراجع كلما قررت زيارة أحدهم، فى العادة أنا لا أحب زيارة المرضى، ربما لأننى لا أتقبل نظرات الشفقة التى تنطلق من عيون ضيوفى، حينما أكون مريضا، لكن للواجب أحكاماً، وبدون اختيار أجد نفسى أمام سرير يحتوى على شبح كان منذ أسابيع إنسانا، رأيت ذلك أثناء زيارة صديق مريض بالسرطان، وقريب هجمت قوات فيروس «سى» على كبده، ولم ترحم خلاياه المؤنث منها وما تم تذكيره، والضعيف منها وما تم تقويته بأدوية تنخرب البيوت لشرائها.
هذا ما رأيته..أشباح تحتضنها الأسرّة، أجساد خسرت نصف وزنها، تتكوم داخل ملاءة بيضاء بعدما كانت تهز أرض الشوارع، وهى تقسم بأن ليس عليها من هو قدها، ترى ولا تسطيع أن تبكى، فمن أقعدته هذه الأمراض يبكى حاله لحاله وليس فى حاجة للمزيد، فكن صبورا وافتح حنفية دموعك بعد أن تخرج من أمامه.
مشكلتى مع السرطان وفيروس «سى» ليست أبدا فى عمليات الاختطاف التى يقوم بها لأعز أصدقائى وأحبائى، ولا حتى مع تلك العملية قبل الأخيرة التى راح ضحيتها والدى، مشكلتى الحقيقية هى كسرة العين التى ألمحها فى عيون من أقعدهم السرطان أو أسكتهم فيروس «سى» عن الحركة، ذلك الانكسار الذى يشبه انكسار وذل الجندى الذى يموت على فراشه، بينما المعركة دائرة بالخارج، وهو مستسلم قليل الحيلة، لا يملك سوى أن يتمسك بطرف ملاءة سريره، ليمسح ما يفيض من دموعه.
المشكلة ليست فى الموت ولكنها فى الطريقة، أن تتكوم على هذا السرير الناعم، وتشعر بروحك تتسرب منك بشويش، ووفود الناس تروح وتأتى ومعها مصمصة الشفاة المعتادة، وكلمة ياحرام التى تقفز إلى قلبك مثل السكين، دون أن ترفع سيفك لتقاتل لأن عدوك انتشاره سريع، وأنت دفعاتك ضعيفة، والإمدادات الخارجية لا تسمن ولا تغنى من جوع، لأنهم لم يخترعوا الدواء بعد، فتجد نفسك مضطرا للموت كما لم تكن تحب، و ترحل فى المشهد الذى تمنيت ألا ينزل معه تتر النهاية.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
سارا
ليه كدة
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرية
الحقيقة دائما بتوجع
عدد الردود 0
بواسطة:
ali
وذكر
عدد الردود 0
بواسطة:
roro
أشكرك
شكرا يا محمد
عدد الردود 0
بواسطة:
متابعة
اللحظة الحقيقية
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد عزت
اصبر لكل مصيبة وتجلد ،، واعلم بانك غير مخلد
عدد الردود 0
بواسطة:
rasha
انت وجعت قلبي .... بس شكلي هرجع اقرأ لك تاني
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد
الله يرحم المصريين كلهم
عدد الردود 0
بواسطة:
اسامه
حكمتك يارب
عدد الردود 0
بواسطة:
كريم الفوى
وبشر الصابرين