لا اعتراض لدىّ على حق مؤيدى مبارك فى التعبير عن رأيهم، حتى لو كان تحديا لإرادة جموع الشعب المصرى الذى رفض استمرار المخلوع فى الحكم، ولا اعتراض لدى على إقامتهم الندوات التى تحاول استعادة الأساطير الرائجة عن بطولاته المنفردة فى حرب أكتوبر، ولا حتى على تنظيمهم المسيرات المتباكية على عصره الذى يعتبر من أزهى عصور التسلط والفساد، لكن أن يتمددوا ويتوغلوا ويستعيدوا ممارسات أمن الدولة السابق، وسلوكيات البلطجية، ويتجاوزوا كل القوانين والأعراف، فهنا لابد من وقفة حاسمة للتعامل معهم وردعهم.
انظروا لما حدث بعد بدء الجلسة الثانية من المحاكمة، وبعد لحظات من وصول مبارك، اندفع هؤلاء المؤيدون المجهولون للهجوم على أهالى الشهداء بالحجارة، كأننا فى موقعة الجمل، وسادت حالة من الفوضى أمام أسوار الأكاديمية، فشل معها الأمن فى فض الاشتباكات، لتتحول إلى حرب تحت شعار بغيض «لو مسوا مبارك.. أو حكموا عليه.. هنهد السجن ونولع فيه»، وكلما وقع جريح من أهالى الشهداء أو من المدعين بالحق المدنى، انهالت الحجارة أكثر وأكثر، وارتفع الشعار الإرهابى الذى يعتمده أنصار ومؤيدو المخلوع بأصوات أعلى.
مؤيدو مبارك هؤلاء يتحركون مع سبق الإصرار والترصد والترتيب المسبق، ولذلك أطالب بردعهم والضرب على أيديهم، هم مثلا تعهدوا سابقا بمنع الهجوم على أهالى الشهداء والمصابين المطالبين بالقصاص، ثم عادوا وأعلنوا منذ أيام حشدهم أعدادا كبيرة لحضور جميع جلسات المحاكمة، فى استفزاز واضح لعموم المصريين، وطالبوا التليفزيون المصرى فى بيان لهم أكثر استفزازا بعنوان «ثورة أم مؤامرة على مصر»، بإجراء مناظرة علانية على الهواء مباشرة مع أى قوى سياسية أو تيار أو ائتلاف أو حركة من قلب ميدان التحرير، فماذا يريد هؤلاء المؤيدون؟
يريدون بوضوح عدم محاكمة مبارك، وعودة اسمه على كل الميادين والمنشآت العامة، وتكريمه من المجلس العسكرى، والتحقيق مع الذين انقلبوا على النظام بعد سقوطه.
وهى مطالب أوضحوا من قبل أنهم سيدخلون فى اعتصام مفتوح لحين الاستجابة لها، ومادامت الحكومة تنصاع للاعتصامات والصوت العالى، وتخشى على بقائها وسلامتها الشخصية وعلى دوران عجلة الإنتاج المقدسة، من أى عشرين شخصًا يرفعون لافتات، ويطلقون شعارات فى أى ميدان من أول «فينى» إلى «سفير»، فلا مانع من رفع الصوت عاليا بعودة المخلوع للحكم على دماء الشهداء، وتكريمه على النهب المنظم للموارد المصرية، وإعادة الاعتبار له ولأولاده وحاشيته والمنتفعين من ورائه، وبالمرة نعيد النظر فى إحياء ملف التوريث.
نحن هنا إذن أمام ممارسات غير قانونية تتحدى إرادة جموع المصريين، وتعمل بوضوح على تكدير السلم العام، وإثارة الفتنة، وتمارس البلطجة والإرهاب فى عز الظهر الأحمر، وهذه ليست اتهامات من عندى، بل وقائع يشهد عليها ما حدث فى الجلسة الأولى للمحاكمة، وما حدث فى الجلسة الثانية، كما يشهد عليها ما يذيعونه وينشرونه من أفكار وشعارات وتهديدات بغيضة تحط من شأن ثورة يناير والمنتمين إليها، ولذلك يا سيادة الحكومة الموقرة، عليكِ التحرك لضبط هؤلاء المؤيدين ومحاسبتهم على ما يرتكبونه، أم أن القانون والمدرعات للمطالبين بمنع محاكمة المدنيين عسكريا فقط؟!