ذهبت مع صلاح أبو سيف إلى مدينة العاشر من رمضان بحثًا عن إمكانية عمل فيلم عن المجتمعات الجديدة، وهى فكرة جميلة لم تتحقق للأسف.. وفى هذه الزيارة سمعت اسم فريد خميس لأول مرة، وكان محاطًا بالتقدير. واستمر هذا لفترات طويلة.
وعندما كنا نسمع أو نقرأ عن أفعال رجال الأعمال كنت أستثنيه. ونحن نحب الاستثناء، وأظن أنه ضرورى. وحتى مع الفساد الهائل بين رجال الأعمال، والذى اتضح أخيرًا، كنا نذكر فلانًا الذى لم يدخل عالم الفساد. وأذكر أن لى قريبًا عاش فى الخارج سنوات طويلة، وعندما وصل سن الستين جمع ثروته وعاد إلى مصر، واشترى شقة فخمة. ووضع على الباب لوحة معدنية باسمه وقد كتب تحته «رجل أعمال»، وفى الزيارة التالية له وجدت أنه قد رفع اللوحة، وعلق على ذلك قائلاً: لقد اكتشفت سوء سمعة اللقب، وكنت أستثنى فريد خميس.
وكنت مثلك ومثل معظم المصريين أسمع ما يحدث وأغضب أحيانًا، وأحزن أحيانًا. ولكن ذات مرة حدث شىء عرفه الجميع. فلقد كان ابن أحد رجال الأعمال الكبار يركب «جيتسكى» وهى آلة، لما سألت عنها قالوا لى إنها أشبه بموتوسيكل مائى، المهم أنه بهذه الآلة صدم صبيّا كان يعوم فى الماء صدمة قاتلة.
وإذا كنت أبًا تعرف ماذا يعنى الابن لأبيه. وإذا لم تكن أبًا فإنك لا شك تعرف. وتحرك رجل الأعمال بقوته الرهيبة، وانتهى الأمر بتنازل الأب عن الدعوى مقابل مبلغ غير مؤكد، ولكنه بالطبع صعق الأب المكلوم، فباع دم ابنه. ولم يكن مثل الزير سالم الذى قدموا له الإبل تعويضًا عن مقتل أخيه كليب، فرفض أن يبيع الدم باللبن. وأذكر أننى عندما عرفت أن الأب المكلوم صالح رجل الأعمال بكيت.
وأظن أن هذا الأب مازال يبكى حتى الآن، ولا أتخيل أنه بقى شىء من المال الذى أخذه.
وإلى مدينة العاشر ذهب الدكتور عصام شرف فى إحدى رحلاته المكوكية، وكان فريد خميس من الذين يحيطون به، وله كل الحق فى ذلك، فهو أحد أركان المدينة، ولكن عزت فهمى كان له مشكلة مع رجل الأعمال فخاطبه بطريقة مستفزة، فتقدم وصفعه على وجهه!
أستأذنك فى أن أذهب إلى الكاتب الروسى أنطون تشيكوف إذ يحكى عنه أنه كان عائدًا من رحلة بحرية، وفى الميناء ضاق ارستقراطى بأحد الحمالين وصفعه على وجهه، لم يكن فى استطاعة الحمال أى شىء، فلقد كانت روسيا آنئذ تعامل أمثاله معاملة العبيد. وكان فى أيدى أرستقراطيين حياة الناس ومصيرهم. ربما كان ذلك فى نهاية القرن التاسع عشر، فلقد توفى تشيكوف فى عام 1904، وبعد ذلك بقليل قامت ثورة 1905 ضد النظام الأرستقراطى ثم ثورة 1917، وتم ذبح كل من ينتمى إلى الأرستقراط، بما فى ذلك القيصر وآل بيته. ولم يفلت إلا من هرب إلى خارج البلاد، وهم قلة.
لم يستطع الحمّال، أن يفعل شيئًا، فسار إلى تشيكوف وقال له: يا سيدى لست وحدى الذى صفعت بل أنت أيضًا!
ولا أظن أن الحمّال قال هذا. ولعلها قصة أراد مؤلفها أن يقول إننا جميعًا نتحمل خطيئة الظلم. أو أن الكاتب إذا كان ضمير أمته فعليه أن يدافع عن كرامة كل إنسان فى وطنه.
أردت أن أقول لعزت فهمى ألا يصالح وألا يبيع الدم باللبن. ولكننى فوجئت بإعلان تحت عنوان: «محضر صلح وتراضٍ» وتتوقع اعتذارًا مثلاً رغم أن الاعتذار لا يفيد من وجهة نظر الزير سالم. ولكنك تجد عملة أخرى هى «الاعتزاز»! فالجانى يعتز بالمجنى عليه. ولم يبقَ إلا أن يعتز المجنى عليه بالجانى. ثم كان الثمن خمس سيارات إسعاف، وعشر تأشيرات حج للمواطنين.
وأترك قضية تأشيرات الحج لعلماء الدين. أما الإسعاف فلو أننى - لا قدر الله - أصبت بحادث على طريق الإسماعيلية أوصى بألا تحملنى سيارة إسعاف من العاشر. وصية للناس وبالنيابة عن عزت فهمى. فالحياة دون كرامة لا تساوى شيئًا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
د محمد عبد العزيز
لا تصالح!
عدد الردود 0
بواسطة:
مازن
فريد خميس
عدد الردود 0
بواسطة:
حسين مغاورى
روسو
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب مصدر السلطات
عندك حق فيما قلت خدش الكرامه احيانا اشد ايلاما من سكرات الموت
بدون