حنان حجاج

العملية «نسر» وأحضان الوطن

الجمعة، 19 أغسطس 2011 03:57 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فجر يوم الاثنين الماضى استيقظ أبناء شمال سيناء على أصوات مجنزرات الجيش وطلقات الرصاص وهدير طائرات الهليكوبتر فى مشهد لم يروه منذ أكثر من ثلاثين عاما، منذ عادت سيناء لمصر عقب معاهدة كامب ديفيد، إنها العملية «نسر» لاستعادة سيناء من أيدى الإرهابيين، سقط قتيل خلال الساعات الأولى وتم القبض على 17 عنصرا إجراميا وإرهابيا – هكذا قال البيان العسكرى – بينما قال لى أحد نشطاء سيناء مساء يوم العملية «نسر» إن الناس اختبأت فى بيوتها ولا أحد يعرف شيئا، وأن الأمر يبدو كأنه معركة حربية ذكرتهم بما قام به الأمن عام 2004 عقب أحداث طابا، كان هجوم الأمن وقتها كاسحا بلا عقل، تم القبض على المئات ومن هرب أُخذت زوجته أو أمه أو أخته، حدث وقتها الانتهاك الذى لا يغتفر فى أعراف أبناء سيناء، انتهكت حرمات البيوت فى سابقة لم تحدث من قبل فكانت تلك الأحداث البذرة الأولى للتحول نحو العنف، ضد الأمن وضد النظام، نبت العنف وترعرع فى مناخ العداوة المقصودة من الأمن لأبناء سيناء الذين يطلق عليهم فى تصنيف عنصرى مقيت «بدو سيناء» لم يعد أبناء سيناء يتطلعون لحضن الوطن وولوا وجوههم عنه.

كانت سيناء مجرد ملف أمنى كان آخر من تولاه اللواء عدلى فايد وكان فايد يديره وبشهادات كثيرين أعرفهم من أبناء سيناء بمنطق أن أبناء سيناء كلهم مهربون وتجار مخدرات وتجار سلاح إلا قلة ربما فشلت فى الانضمام لإحدى تلك العصابات.

الأن تعود سيناء وبنفس الفلسفة، ملفا امنيا آخر، بل ملف قومى شديد الخطورة استحق أن تكسر له قواعد اتفاقية كامب ديفيد، فهل سأل أحد نفسه ما الذى أوصل شبه الجزيرة لهذا الحد؟ من ترك سيناء قرابة الثلاثين عاما كما هى بلا تنمية، بلا أدنى محاولة إدماج فى الوطن؟ من الذى سمح بكل تلك الخروقات للأمن القومى التى تمت على أرض تلك المساحة شديدة الخصوصية والأهمية، من سمح لميليشيات خارجية أن تتدرب على أرضها بعدما أشيع أن آلاف المقاتلين التابعين لحركة فتح (محمد دحلان) كانوا يتدربون على أرضها ولا يزال العشرات منهم بها حتى الآن، ومن سمح بعشرات الأنفاق (السرية) أماكنها معروفة وأصحابها معروفون، بل المستفيدون منها أيضا معروفون لدرجة أن حكايات تسرد بين أبناء الشمال عن أسماء بعينها واتفاقات معروفة بين الأمن وأصحابها مقابل نسب معينة يجزم بها أبناء رفح ؟!!

من قال إن حوالى 400 ألف من أبناء سيناء لا يجدون فرص عمل حقيقية بينما عدد المصانع على مساحة 61 ألف كيلو متر مربع لا يزيد على أصابع اليد الواحدة، وأغلبها لمحتكرين كبار تعاملوا مع سيناء باعتبارها منجما من جبال الرخام والأسمنت والرمل، ولم يفكروا فى البشر الذين سكنوا تلك الجبال وحفروا تاريخهم على صخورها بينما أتى هؤلاء بعمالة من أبناء الوادى، ونسوا أصحاب الصحراء وساكنيها؟.. حتى الجنوب الذى عمرته القرى السياحية واقتنصت شواطئه الرائعة حرمت دخول أبناء سيناء له منذ عام 2004 عقب أحداث طابا وتعاملت معهم باعتبارهم خطرا على الأمن السياسى والسياحى بعد أن سكنها الرئيس المخلوع وحاشيته.

سيناء ليست صحراء وأبناؤها ليسوا إرهابيين، ومن مارسوا الإرهاب يوم جمعة غزوة العريش هم ضحايا اتفاقات واضطهادات الأمن والعنف والاختراق والأنفاق، يستحقون أن يتم إيقافهم ومحاكمتهم.. ولكن ليس على طريقة الأمن القديمة، فالارض التى تروى بالدم لا تنبت إلا العنف، ومن كان يدير ملف سيناء الأمنى بفلسفة إغلاق الأبواب والعيون وترك القدور تغلى بما فيها أضاع الأمن والبشر، وقطع صلة الرحم والانتماء بين أبناء شبه الجزيرة والوادى حتى صار الانفصال عن الوطن الأم طرحا حاضرا على أرض سيناء. والبديل العسكرى الذى يراه من يديرون مصر الآن اختيارا وحيدا حتى وإن نجح فى القضاء على الفكرة «الخائنة» فإنه لن يقضى على ما فى الصدور من جفاء وفى الحلوق من مرارة افتقاد الوطن.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة