د. بليغ حمدى

لا تنتخبوا هذا الضابط!!

الجمعة، 19 أغسطس 2011 09:22 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ربما تخلصت نهائياً أنا و بعض أقرانى من عقدتى الخوف والرعب تجاه رجال الشرطة المصرية؛ لاسيما بعدما رأيت رأى العين بعض الأصدقاء والأغراب وهم يقتلون ويستشهدون برصاص قناصة الشرطة وصناديدها الذين انتقلوا إلى غيب وغياهب نسيان بعد جمعة الغضب الشريفة، بل أصبحت الآن أبحث عن قصص الزملاء والأساتذة الذين اقتيدوا يوماً إلى أحد أجهزة القمع بوزارة الداخلية من أجل فكرة اعتنقوها، أو رأى مجرد نادوا به، أو شعار قد يقف عاجزاً أمام صفعة ضابط، أو سحل أمين شرطة على شاكلة فيلم يوسف شاهين "هى فوضى".

ولكم أتمنى أن يتفرغ بعض باحثينا الأماجد بكليات التربية والعلوم الاجتماعية لرصد حالة القلق التى تدفع رجل الشرطة لممارسة كافة صنوف القمع والبطش والمغالاة فى تعذيب بنى وطنه وعشيرته. ولا شك أن هناك دوافع أخرى يكتسبها هذا الشرطى لممارسة غوايته وهوايته فى الاستهزاء بالمواطن أيام عهد مبارك البائد من المواطن نفسه ؛ فهو الذى منحه سابقاً لقب باشا وبيه وسعادة وسيادة وغيرها من الألفاظ والرتب التى كنا قد ثرنا علها منذ سنين، لكنها عادة المواطن المصرى الذى لم يصبح مواطناً عادياً أو بسيطاً، المعاناة المستدامة من فقدان الذاكرة.

والذى أدهشنى الأسبوع الماضى تحديداً خلال جولة تأمل فى الشوارع المصرية لافتات وصور، وبلغة الفيس بوك بوسترات كبيرة لبعض ضباط الشرطة المحالين للتقاعد أو الذين أنهيت خدمتهم لظروف ممارساتهم القمعية، تتضمن التهنئة لجموع المسلمين بمناسبة شهر رمضان، وفى مواقع أخرى نفس الصور لنفس الوجوه مذيلة بعبارة مرشحكم الحر لمجلس الشعب.

ولكم أتمنى أن تجرى كلية الشرطة بعد إعادة صياغتها وغربلتها من أفكار العهد البائد، بأساتذتها الأجلاء المتخصصين فى العلوم الشرطية والاجتماعية دراسة علمية أكاديمية تحدد العوامل والدوافع والأسباب التى تغرى رجال الأمن بعد التقاعد إلى دخول المعترك الانتخابى، ومن ثم الجلوس تحت قبة البرلمان لاسيما برلمان الشعبوبلغة تصبح مطابقة لثورة إسقاط النظام "برلمان الوطن".

فبامتداد مصر ومحافظاتها لاحظت منذ بداية شهر رمضان الفضيل الذى هو شهر للعبادة وإصلاح النفس من الأساس تقريباً عشرات اللافتات بالمدن والمراكز والقرى وخصوصاً فى صعيد مصر المحروم تحمل عبارات التهنئة إما بنجاح ثورة مصر الذين لم يشارك فيها الضباط اللهم إلا بقتل المتظاهرين، أو بمناسبة قدوم شهر رمضان، أو بافتتاح متجر جديد رغم أن بعضنا يتضوع جوعاً، أو مسجد نادراً ما أجده مفتوحاً، أو زيارة أحد الشيوخ الأجلاء للمدينة، وأخيراً بعودة المعتمرين بعد تأدية فريضة العمرة مذيلة باسم اللواء فلان، أو العميد فلان أو النقيب علان.
وبالتأكيد لست أملك حق منع ترشيح أى مواطن لخوض انتخابات مجلس الشعب القادمة، ولكن الأمر استرعى انتباهى فقط، ولذلك حرصت أن أوجه انتباه المؤسسات الأكاديمية بدراسة الأسباب النفسية والدوافع الاجتماعية التى تدفع لرجال الأمن السابقين خوض الانتخابات وخصوصاً بعد سيل الاتهامات التى توجه لصدورهم صباح مساء دونما انقطاع.

ومنذ أسبوع سافرت إلى أكثر من مدينة وقرية بصعيد مصر، واندهشت إلى كم وحجم اللافتات المعلقة بالشوارع والميادين وكلها تحمل أسماءً لضباط مصر السابقين لأنهم اليوم خارج الخدمة، وبسؤال أى شخص عن سبب تعليق مثل هذه اللافتات سيجيبك بأن صاحبها يستعد لخوض انتخابات مجلس الشعب القادمة.

وهناك علاقة ارتباطية لا أستطيع تفهمها أو تأويلها حتى تاريخ كتابة هذه السطور، فأغلب الذين أعرفهم شخصياً لحماً ودماً من السادة الضباط المحالين للتقاعد يعملون فى مجالات البيزنس وسمسرة العقارات والسيارات والأراضي، وأحيانا تجارة التنقيب عن الآثار التى هى ملك للوطن، وأنا لا أملك حق توجيه اللوم لهم لعمل بعضهم بالسمسرة لا سيما العقارات ،لأن الشخص الوحيد الذى يملك هذا الحق هو فضيلة مفتى الديار المصرية فى جواز أو تحريم عمل الوساطة فى البيع أو الشراء. ورغم ذلك استطعت نسبياً تفسير تلك العلاقة الارتباطية بأن العمل فى مجالات البيزنس والسمسرة يعطى الفرد فرصة سائغة للتواصل والاتصال مع الناس، وإقامة علاقات اجتماعية واسعة مع فئات متعددة من الشعب.

المهم فى القضية أننى فى حالة جدل فكرى بشأن ترشح الضباط السابقين فى انتخابات مجلس الشعب المقبلة فى حالة انعقادها، فالضابط أثناء خدمته يقوم مكلفاً من الدولة تحديداً من النظام السياسى كما كان فى عهد مبارك البائد بتأمين سير الانتخابات ولجانها، ويعمل على إتاحة الفرصة لكل طوائف الشعب للإدلاء بأصواتهم الحرة والنزيهة، كما أنه متأهب دائماً لحماية السرادقات الانتخابية التى يقيمها المرشحون، بالإضافة إلى حمايتهم وتأمينهم لصناديق الانتخابات الزجاجية الشفافة بدون تدخل أجنبى أو رقابة دولية والحمد لله.

كل هذا معروف لأغلب المهتمين بالحالة السياسية فى مصر، وكثيراً ما يرى رجل القرية البسيط المرشح بصحبة أحد أفراد الأمن ببلدته كنوع من أنواع الثقة والطمأنينة، لكننى مازلت مصراً على رأيى أن هذا الضابط الذى كان بالأمس يقوم على حماية العملية الانتخابية لا يجوز له أن يدخلها مشاركاً، لأن عمله بالماضى فرض عليه القيام بإجراءات أمنية من شأنها إعاقة التواصل بينه وبين المواطنين، كالتحقيق مع متظاهرين أمام سفارة معينة، أو احتجاز مجموعة من الطلاب تجمهروا أمام مكتب رئيس جامعة، أو منع المنتقبات من دخول الحرم الجامعى بناءً على قرارات وزير التعليم العالى، لأن تقاليد الجامعة لا تسمح بذلك، بالرغم من أن الجامعات نفسها قبلت عدم دخول المنافسة العلمية بدليل خروجها من تصنيف الجامعات العالمية الذى أجرته جامعة شنغهاى منذ سنين، ولازلنا نعانى من تدهور السياسات الجامعية وترهل البحث العلمى فى مصر، وربنا يستر.

بالإضافة إلى أن ضابط الأمس الذى ينتوى ـ بمناسبة ذكرى لن أنتوى الترشح ـ الترشيح للانتخابات القادمة ما زالت صورته قائمة بأعين أولئك المصلين وهو يحاصر مسجدهم فى ظلال العهد السياسى البائد مع أفراد الأمن لمنع التظاهر أو التجمهر عقب خروجهم من المسجد، ولاشك أنه يقوم بتنفيذ التعليمات والأوامر التى تصدر إليه، لكن بالرغم من إصابة بعض أفراد هذه الأمة بفقدان الذاكرة التدريجى المستدام، إلا أن البعض الآخر لايزال يحتفظ بذاكرته بصورة هذا الشرطى وهو يحاصرهم.

وكونى أشير إلى تجنب بعض ضباط الأمن السابقين دخول المعترك السياسى الانتخابى لا يقلل من شأنهم، على العكس، بل هذا يزيدهم شرفاً فوف شرف حمايتهم للبلاد عندما كان بعضهم يقوم بهذه المهمة حقاً، لاسيما أنهم قضوا وقتاً طويلاً من عمرهم فى خدمة هذا الوطن وحمايته وسلامة أراضيه من المخربين والمعتدين والمجرمين، وأولئك الذين لم يشربوا من نيل مصر، ولم يفكروا يوماً أن يغنوا من أجلها، ولم يلعبوا يوماً فوق شواطئها.بخلاف زبانية الداخلية المتهمين بجرائم القتل وهتك الأعراض واستباحة الأنفس والدماء.
وأعود إلى ما سبق وهو ضرورة قيام المؤسسات الأمنية فى مصر بدراسة تحدد عوامل وأسباب قيام بعض الضباط السابقين للدخول فى المعترك السياسى والانتخابي، وتحولهم المفاجئ من دور الرقيب والمحافظ على سلامة عملية الانتخابات على المشارك بفعالية فى المعركة كمرشح، أما بالنسبة لأساتذة علم الاجتماع والتربية بجامعاتنا المصرية التى تكاد تخلو من الطلبة والطالبات وقت الإجازة الدراسية والبعيدة عن أى تصنيف عالمى علمى فتلك فرصتهم التاريخية بأن يقوموا بإجراء دراسات ميدانية حقيقية ليست على المكاتب والغرف المغلقة ليرصدوا لنا تلك الحالة.

وأخيراً، إذا كانت الفرصة سانحة لبعض هؤلاء الضباط المحالين للتقاعد لدخول الانتخابات، فعليهم أن يساندوا أحلام وطموحات وآمال هذا الشعب، بدءاً من رغيف الخبز وأسطوانة البوتجاز، وارتفاع أسعار السلع الغذائية الذى دمر ميزانية الأسرة المصرية، مروراً بارتفاع أسعار الوحدات السكنية البعيدة عن العمران اللهم من البلطجية واللصوص، ومشكلات السكك الحديدية، وألا ينصب اهتمامهم فى حالة فوزهم بمقاعد مجلس الشعب أن يبادروا بتهنئة الفرق الرياضية عند فوزهم حينما تعود إلينا ثقافة الفوز، أو يتواجدون فقط فى سرادقات العزاء، أو قاعات الأفراح بفنادق السبع نجوم، ومادام أرادوا بهذا البلد خيراً ورفعة، فالله من وراء قصدهم وهو يهدى السبيل.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة