خطأ إسرائيل أنها تصرفت مع ما جرى فى سيناء، كما كانت تتصرف من قبل مع مصر. تعودت إسرائيل عبر 30 سنة هى حكم مبارك، أن تأمر فتطاع، فى السر والعلن. ووصل الأمر إلى أن تصل وزيرة خارجية إسرائيل إلى مصر يوما، لتلتقى بوزير الخارجية، وأظنها التقت مبارك أيضا، وتعود لتبدأ عملية عدوان واسعة على غزة، وكأنها تعلن للعالم العربى وللفلسطينيين بالأساس، أن مصر ظهير إسرائيل. فعل ذلك حسنى مبارك فى سنوات حكمه الأولى بدعوى الاستقرار، الذى لم يكن إلا فرصة للنهب المنظم للبلاد من قبل أسرته، وهو شخصيا، وعصابة حكمه التى لا يزال السجن مفتوحا لا ستقبال ما خفى وسيظهر من أعضائها. وفعل ذلك فى سنوات حكمه الأخيرة، من أجل انتزاع اعتراف أمريكى بابنه رئيسا لمصر، ليخليها من السكان، بعد أن أخلاها من المال !. هذا الخطأ الإسرائيلى فى جانب منه أساسه العادة، فمن الصعب بعد ثلاثين سنة تأمر فيها فتطاع، أن تغير من سلوكها. وسببه الآخر اختبار للثورة المصرية.. هل سيختلف الأمر حقا بعد الثورة؟ أم سيتابع المجلس العسكرى، القائم بأعمال الرئاسة، سياسة مبارك ؟ وأظن أن إسرائيل الآن تعرف أن الأمر اختلف، بعد المظاهرات التى أحاطت بسفارتها وقنصليتها، وبعد سحب السفير المصرى.
وستعرف إسرائيل أن الأمر اختلف أكثر، إذا طالبت مصربلجنة تحقيق دولية من الأمم المتحدة، وإذا قامت سفاراتنا فى الخارج بالاتصال بمراكز التأثير على الرأى العام، من كتاب ومفكرين وجمعيات حقوقية، لشرح ما فعلته إسرائيل من اعتداء على جنودنا. وهو لو كان بالخطأ فى اليوم الأول بعد حالة الهياج التى انتابتها بعد الهجوم المفاجئ على مواطنيها فى إيلات، فهو لم يكن بالخطأ فى اليوم التالى، حين قامت طائراتها بالاعتداء على من فعلوا ذلك فى الحدود المصرية. وإذا كان هناك من يردد فى إسرائيل الآن، إنهم تركوا سيناء لتتكفل الحكومة المصرية بالدفاع عن إسرائيل، ومن ثم فموضوع العودة إليها مطروح، فهنا أيضا يجب إعلان أن شروط معاهدة كامب ديفيد التى لا تتيح وجود قوات مصرية حقيقية فى سيناء هى السبب، لأن الذين هاجموا إسرائيل استغلوا الفراغ الأمنى فى سيناء، ليس بسبب الثورة، ولكن بسبب هذا الشرط.
جزء كبير من قوة إسرائيل جاء بسب تراجع مصر أو غيرها من الدول العربية عن دورها. وليس بالضرورة أن تكون هناك حرب. هناك طرق كثيرة لانتزاع الحقوق العربية، خاصة أن مصر الآن فى قلب العالم بثورتها التى صارت مثالا رائعا على النضال ضد القمع والظلم والديكتاتورية. رصيد مصر فى قلوب البشر الآن، وفى كل مكان فى العالم، كبير جدا، يجب ألا نضيعه. وحين تصبح مصر دولة ديمقراطية، سوف يزداد هذا الرصيد، وحين تنتصر الثورة فى ليبيا وسوريا واليمن والجزائر وتتحقق الديمقراطية، سوف يزداد رصيد العالم العربى كله فى العالم، وسوف ينسحب ذلك التطور الديمقراطى على الدول الملكية، ربما بشكل أهدأ. وهكذا يدخل العالم العربى كله فى مرحلة جديدة، تجعله يأخذ مكانه بين البشر. ليس بسبب النفط ولا طاعة الحكام، ولكن بسبب يليق بالإنسانية. الحرية فى العالم العربى طريق أكبر لحل المشكلة الفلسطينية. وإسرائيل التى تأخذ أكثر دعمها من دول العالم، باعتبارها الدولة الديمقراطية الوحيدة فى المنطقة، ستفقد الكثير من هذا الدعم. أو على الأقل ستبحث عن مقولة أخرى، ربما لا تجد صدى فى قلوب الناس يساوى الحديث عن الديمقراطية. هذا الحديث المضلل الذى لا يجعل أحدا يلتفت إلى أن هذه الديمقراطية لا يحظى بها عرب 1948، ولا العرب تحت الاحتلال، وإنها تحت هذا الشعار الزائف تسعى لإقامة دولة دينية يهودية، الثورة التونسية وبعدها الثورة المصرية، فتحتا أبواب التاريخ الإنسانى للشعوب العربية. علينا أن ندرك ذلك ولا نتخلى عن أهداف الثورة. العالم مفتوح لنا على مصراعيه. وعلى حكامنا أن يدركوا ذلك أيضا، فيفتحوا طريق الثورة إلى غايته، فهى ثورة سلمية وستظل كذلك. وأول الطريق الآن هو إلغاء المحاكمات العسكرية للمدنيين. وما جرى منها من أحكام. قيمة حكامنا الآن هى من مدى استجابتهم للثورة، وليس من مدى استجابتهم لإسرائيل وأمريكا. وسوف يحدث. وكما قرّب ما جرى فى سيناء الشعب المصرى العظيم من جيشه، سيقترب حكامه أكثر منه، باعتبارهم يقومون بدور الرئاسة، وباعتبارهم من الجيش معا. ماجرى فى سيناء رغم مافيه من خسارة لأبنائنا المصريين، يؤكد أن ما طلبته وتطلبه الثورة من المجلس العسكرى، ليس موجها للجيش، إنما هو من أجل الوطن الحقيقى الذى يكون جيشه فى مكانه الطبيعى فيه. وهو حمايته من العدوان.