يرد فى خطابات المثقفين دائما تعبير «الدولة الحديثة»، التى يسعون لبنائها فى مصر، وأخذت وثيقة الأزهر بهذا التعبير مطالبة بالدولة الوطنية الدستورية الديمقراطية الحديثة، بدلا من استخدام مصطلح «الدولة المدنية» محل الخلاف والاختلاف حتى بين المتخصصين أنفسهم.
الدولة الحديثة هى دولة لها مساحة جغرافية، وحدود تعرف بها، وتقوم على المؤسسات، وأعنى بذلك مؤسسات سياسية «البرلمان، الحكومة، الأحزاب..»، ومؤسسات بيروقراطية «المصالح الحكومية»، والمؤسسات القضائية «الشرطة، النيابة، القضاء..». وتحكم هذه المؤسسات بقوانين، ولا يشترط فيمن يتولى أمرها أن يكون رجلا أو أمرأة، أو من أصحاب دين معين، لأنها فى نهاية المطاف «وظيفة»، يلتزم شاغلها بحكم القانون. وتستند «الدولة الحديثة» إلى «ولاء مواطنيها»، وتوفر لهم فى المقابل الأمن، والخدمات، والنظام، وذلك بهدف أن يكونوا «سعداء».
هذه هى الدولة الحديثة، والتى كما رأينا تقوم على دعائم أساسية: المواطنة، حكم القانون، المؤسسية. من هنا فإن من يقول أن «الدولة الحديثة» هى «علمانية» بالمعنى المطلق، أى تقوم بتنحية الدين كاملا عن المجتمع، أمر لا أساس له من الصحة، لأن علاقة الدين بالدولة لا تدخل فى تعريف الدولة الحديثة. ومن ناحية أخرى، فإن هناك من الضوابط التى لا تجعل حضور الدين فى الدولة سببا للتفرقة بين المواطنين بسبب النوع أو الدين، أو لإقرار أفضلية دينية لأصحاب دين معين على بقية المواطنين المختلفين فى الدين، وهكذا. من هذا المنطلق فإن هناك العديد من دول العالم التى يطلق عليها «دولة حديثة» تشير إلى دين للدولة، ومذهب معين فى دستورها، لكنها فى نهاية المطاف دولة مؤسسات وقانون ومواطنة متساوية.
ودعت وثيقة الأزهر إلى الدولة الحديثة، بالمعنى السالف ذكره، فهى تتحدث عن الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع، لكنها تقر بالمؤسسات، والفصل بين السلطات، والمساواة بين المواطنين، بصرف النظر عن الاختلاف فى اللون أو الدين أو الجنس أو العرق، والحق فى حرية أداء الشعائر الدينية، وحرمة دور العبادة....إلخ.
هناك شبه اتفاق بين العلمانيين والإسلاميين على هذه الوثيقة، بما فى ذلك الإخوان المسلمين، إلا أن فريقا من الإسلاميين محسوبين على التيارات السلفية يقفون منها موقف الرفض.
الذين يرفضون «وثيقة الأزهر» فى رأيى لا يريدون دولة حديثة، يكون الإسلام حاضرا فيها، والمواطنون فيها سواء أمام القانون فى إطار دولة العدالة، والمساواة، وحكم القانون. هم يريدون مشروع دولة مرتبكة، دون تعريف واضح لها. يبحثون عن «شكل» الدولة الحديثة فى الوقت الذى يعيدون فيه «مضمون» الدولة القديمة. مثال على ذلك يريدون أن يكون هناك حكم قانون، ولكن دون إقرار المساواة الكاملة بين المواطنين جميعا، فالمسلم له أفضلية على غير المسلم، والذكر المسلم له أفضلية على المرأة المسلمة، وذلك عبر إعادة طرح مفهوم «الولايات العامة»، وهو مفهوم انتهى فعليا بنشوء المؤسسات الحديثة. التشريع انتقل إلى البرلمان، والقضاء انتقل إلى السلطة القضائية، والتنفيذ انتقل إلى الحكومة. إذن لم تعد هناك ولايات عامة بل مؤسسات. وهذا هو اجتهاد علماء مسلمين معتبرين مثل الدكتور أحمد كمال أبو المجد، والمستشار طارق البشرى، والدكتور محمد سليم العوا، وآخرين.
هذه مرحلة مهمة لا ينبغى أن تضيع فى الخلافات....
منذ سقوط نظام مبارك حتى الآن، يسود الجدل حول العلاقة بين الدين والدولة. تارة فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، وتارة أخرى فى الجدل حول الدستور أولا، وتارة ثالثة فيما أطلق عليه خطأ المبادئ فوق الدستورية، وتارة رابعة فى المبادئ الحاكمة للدستور.
قطاع من المواطنين، مسلمين ومسيحيين، ولهم الحق.. يخشون من «الدولة الدينية» القادمة، ولن يهدئ روعهم الحديث عن أن الإسلام لا يعرف الدولة الدينية، وأنصار التيار الإسلامى، على اختلاف ألوانهم، يريدون تصفية إرث الاستبعاد طيلة السنوات الماضية مع التيارات الأخرى، عبر وضعها فى خانة «العلمانية» فى مواجهة قوى «الإيمان».
إطالة أمد الجدل تؤدى إلى تعميق الانقسام فى المجتمع. المطلوب إغلاق هذا الملف، والالتفاف حول وثيقة الأزهر.
عدد الردود 0
بواسطة:
الغريب
بلطجه الصحراء وفرض الوصايه باسم السماء بات هراء
عدد الردود 0
بواسطة:
د. تامر
لا دينية ولا مدنية ... بلدنا إسلامية
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد
غش الاخوان علي وزن الانتخابات خدعه و ده غش