فى هذه اللحظات التى أكتب فيها، ما زال الثوار الأحرار فى ليبيا الشقيقة يحاصرون حى باب العزيزية الحصين ويفتشونه شبرا شبرا دارا دارا زنجة زنجة، بحثا عن الأخ العقيد المختبئ الأكبر، فلم يعد سوى أن يتم العثور عليه حيا أو ميتا ليكتمل انتصار الثورة الليبية ولنعلن جميعا تحرر بلد عربى جديد بعد تونس ومصر واليمن، ونتمنى أن تلحق بنا سوريا والبحرين وسائر البلاد العربية المقهورة.. فى هذه اللحظات أردت أن أوجه خطابا مفتوحا إلى الأخ العقيد كما يحب أن يطلق على نفسه، سواء كان فعلا فى باب العزيزية أو فى أدغال أفريقيا أو حتى ينتظر دوره على أبواب الجحيم، وشعرت بمسؤولية أن تصله رسالتى بتساؤلاتها المفتوحة على الصحراء الليبية ورموزها الحقيقية من عمر المختار إلى إبراهيم الكونى.
الأخ العقيد، من يتحمل مسؤولية عشرات الآلاف من الشهداء الليبيين الذين قضوا فى هذه الحرب العبثية؟ بماذا كنت تشعر وأنت ترى جنودك ومواطنيك يتساقطون من حولك؟ هل كنت تسمع لصرخات الأمهات المكلومات والنساء الثكالى والأبناء الأيتام؟ هل ترى أن إعدامك وحده يحل المشكلة أو حتى إعدام عائلتك كلها؟
أنت أيها الأخ العقيد تسببت على مدى أربعين عاما فى إهدار مقدرات بلدك فى مغامرات عبثية دون أن تحقق انتصارا واحدا، وكنت مثالا للسفه والتهور والغفلة، تطارد وهم بناء امبراطورية فى خيالك وحدك، أو تبعثر مقدرات بلدك على الميليشيات والمتمردين والانفصاليين فى هذا البلد أو ذاك، أو تخوض مشروعات مفخخة بإرادتك مثل وهم المشروع النووى الليبى، الذى سعيت إليه بجهل وحماقة تحت بصر وسمع القوى الغربية، وبعد أن دفعت مليارات الدولارات، أجبروك على أن تخلع ملابسك على الهواء مباشرة وأن تشهد على تفكيك مشروعك وتعترف بالذنب معلنا التوبة ومبديا الندم.
أيها الأخ العقيد، كل تاريخك العبثى الذى يتمسح فى الثورة الدائمة فى ناحية، وما ارتكبته خلال أحداث ثورة الشعب الليبى فى ناحية أخرى، كان من الممكن أن تحقن دماء أبناء شعبك، وأن تجنبهم ويلات الخراب والدمار، لو كنت قررت التنحى والتنازل عن الحكم طوعا وفتح الباب لانتخابات نزيهة وليختر الشعب من يريد، ألم يكفك أربعة عقود من الحكم؟ هل ظننت فعلا أنك مخلد لا تموت؟ ولماذا يعتقد الطغاة العرب دائما أنهم من طراز فريد فوق البشر، لا يطالهم قانون ولا يصيبهم ضعف ولا يصلهم الموت؟
من يسمع خطابك الأخير أيها الأخ العقيد لابد وأن يتأكد أن رحيلك عن ليبيا هو الخبر السار، الذى تعرفه هذه البلاد منذ خمسين سنة، كيف تزعم أنك باقٍ إلى الأبد ومستمر وأن الشعب الليبى ما هو إلا مجموعة من الجرذان تنتقل بين المدن وتنشر الخراب، أى خراب هذا الذى تتحدث عنه، وقد جلبت بحماقتك قوات الناتو لتدمر كل ما هو حيوى فوق الأرض الليبية، ودمرت أنت وكتائبك الطرق والمؤسسات والمصالح العامة? باختصار، أنت قررت أن تنهى الدولة الليبية عندما قال لك الشعب ارحل، لكن ألم تفكر مرة أن الصراع بين الحاكم والشعب هو صراع غير متكافئ ومحسوم سلفا لصالح الشعب، مهما كانت قوة الحاكم وقدرة جنوده على القتل والاغتصاب والتنكيل؟
أنت مجنون تماما أيها الأخ العقيد بما يكفى أن تدخل سجلات التاريخ مع الحكام غير الأسوياء، الذين سعوا إلى خراب بلادهم، ستجد مكانك محجوزا إلى جوار نيرون والحاكم بأمر الله وقراقوش وكاليجولا وهتلر وغيرهم، عليك أن تصل إلى العقل على الأقل فى هذه اللحظات الأخيرة فى حياتك وحكمك، وفى هذه اللحظات تحديدا أتمنى عليك أيها الأخ العقيد أن توجه النصح إلى الرفيق بشار الأسد بأن يختصر طريق الدماء والآلام فى سوريا وأن يعتبر مما حدث فى طرابلس الغرب.