عندما قرأت الاسم على شاشة الموبايل، ونادراً ما أفعل هذا، هللت مرحباً فمن طلبنى رجل هام أقدره وأحترمه كثيراً.
وأرى أنه لو كان يعيش فى القاهرة ربما حقق شهرة كبيرة، ولكن مأساته- وكثير من أهل الأقاليم مثله- أن الإعلام بأنواعه المختلفة يركز على نجوم القاهرة، وأزعم على أفراد من هؤلاء النجوم.
رحبت بالرجل طبعاً وتبادلنا حديثاً سريعاً قبل أن أدرك أنه أخطأ الرقم وأنه يطلب صحفياً صغيراً، بالتأكيد يبدأ اسمه بحرف الميم، ولما أدركت هذا نبهته فوراً إلى الخطأ، ولكن الكارثة كانت قد حدثت وهى أنه- وهو القامة الفكرية الكبرى- نافق جداً صحفياً صغيراً، أقام معه حواراً ولم ينشره، وهو يريد نشره ربما بحثا عن الأضواء، وربما لأن النشر يفيده فى عمله أو علاقته، فالكثيرون يحترمونك عندما يجدون اسمك فى الصحف، ولا يفعلون عندما لا تكون.
عصر هذا الحادث الصغير قلبى، وظللت أتذكره حزيناً فترة طويلة، ومازلت وتضاربت مشاعرى إزاء الأستاذ، وأظن أننى تعاطفت معه أكثر، وإن كنت أظن أنه ابتعد عنى قليلاً.
الإعلام قوة هائلة، لكن هذه القوة فيها ضعف كبير يخل بالمنظومة كلها، ربما كانت البداية عندما بدأت الصحف تتكاثر، كانت هناك ثلاث صحف صباحية وصحيفة مسائية.
ولما اتسعت الدائرة دخل المهنة عدد كبير، معظمهم غير مؤهلين لهذه المهنة وبعضهم لا يمتلكون الضمير المهنى أوالأخلاقى.
أذكر أنه فى تلك المرحلة اتصل بى «صحفى» من إحدى المجلات الجديدة، وطلب أن يدير حواراً معى ينشر على صفحات المجلة، وأتى إلى البيت شاب بسيط لطيف مؤدب، ولكن سؤاله الثالث جعلنى أقفز من مكانى مذعوراً، فقد كان يتهم مجالاً بكامله بالشذوذ، لم أعلق ولم أرد طبعاً على السؤال، ولكننى سألته هل انتهى من شرب ما يشرب، ودفعته إلى خارج البيت، وعلى السلم بكى وأقسم أن رئيس التحرير هو الذى كتب الأسئلة بخطه، ورق له قلبى فاقترحت عليه أن يعود بشرط أن ينسى تماماً فكرة اللقاء الصحفى، وهذا ما حدث، وهنا روى لى أنه ذهب إلى المجلة ليعمل محاسباً، لكنهم اقترحوا عليه أن يعمل صحفياً.
واقترحت مداعباً أن أجد له وظيفة فى الحسابات فتحمس، وكانت الظروف مواتية، وهو الآن يعمل فى حسابات إحدى الشركات.
ومن أيام سألتنى صحفية: لقد قلت إنك لا تقارن صدام حسين بجمال عبدالناصر، ولكنك تقارنه بجيفارا، وصرخت مقسماً بأغلظ الأيمان أننى لم أقل هذا الكلام، حتى لفت صوتى أنظار من حولنا، وأشير إلى أننى نادراً ما أقسم على شىء، بالطبع كان لها تبرير هو أنها جاءت بهذا من على «النت»، وأنا أستطيع أن أدعو إلى حماية مهنة الصحافة، فلقد بدأت حياتى صحفياً، وعملت فى الصحف سنوات لكننى أعرف «النت» مما يقوله الآخرون، وأحياناً أستمتع بما يقولون مثل أننى مخرج وأننى أخرجت أفلاماً منها «لا أنام»، وعلاقتى بمهنة الإخراج تتلخص فى محاولة فى المسرح لم يعرف بها أحد، وتجربة يوم فى الاستديو فى تونس هربت بعدها مباشرة من الفكرة.
أظن لو أن هؤلاء كانوا يهتمون لأدركوا خطأ بعض ما يقرأون على «النت» أو لا يستخدمون أسئلة بلهاء مثل «عرفنا بنفسك» أو «من أين نبدأ» و«ما أحب أعمالك إليك».. الخ.
الإصدارات الكثيرة التى بدأت، والتى ستأتى فى الشهور القليلة الآتية، ستكون على أكتاف القلة المحترفة، ولكن الأغلبية ستكون غير مؤهلة، وهذا ما يجب أن ننتبه له، لا أحد سيمنع صحيفة من الصدور، ولا محاسب يكتب فى الأدب، ولا صيدلى يشرف على الاقتصاد، ولكن المطلوب أن نجل هذه المهنة التى لا تعكس الأحداث فقط، بل تقودها أيضاً، ولأننا نريد بلادنا أفضل فلابد أن يكون الإعلام أفضل.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
قديم أوى
قال خليهم يتسلوا