انتهى معمر القذافى، لكنه يصر على أن يظل متقمصا شخصية الزعيم العبيط والأهبل، ويتجاهل أو يدعى تجاهل كل هذا الدم، وتلك الحروب التى تركت آثارها على الشعب الليبى، وسوف تظل تؤثر على المستقبل سنوات. القذافى لا يبدو أنه يشعر بالندم أو الخطأ، وهو الذى استمر طوال 42 عاما يخترع المبادرات الفاشلة ويلعب لعبة الهبل على الشيطنة، لا يريد الاعتراف بأنه مخرب.
القذافى الذى سقطت كل معاقله وتحصيناته، والذى شن حربا لقتل شعبه وإبادته، يصر بعد إنهاء حصونه على أنه يمارس التكتيك، مع أنه طوال عقود يمارس «التنكيت» وهو يرتكب فعل السياسة الفاضح فى الطريق العام.
بالطبع يختلف القذافى عن زملائه الديكتاتوريين الذين سقطوا، فى أنه متسلط كوميدى، ولا نعرف ما إذا كان يتعمد هذا الدور أم أنه بالفعل يصدق أنه ملهم وعبقرى، بدليل أنه اخترع الكتاب الأخضر والتوكتوك الثورى والزنجة و«من أنتم» التى كانت إحدى أيقونات التنكيت الثورى العربى خلال شهور.
العقيد القذافى لايزال - ولا نعرف إلى متى - يلعب دور العبيط بينما يمارس كل الجرائم تجاه شعبه، وتحول الشعب الليبى الطيب إلى شعب ثائر غاضب يستعيد أمجاد عمر المختار التى لوثها المعتوه باختراعاته العبثية، أحيانا يبدو القذافى متجاوزا خيالات أفلام الرجل الوطواط والرجل العنكبوت والرجل أبورجل مسلوخة.
لقد دفع الشعب الليبى ثمنا باهظا فى الثورة على الطاغية الاصطناعى و«توكتوكه» واستعراضاته الكوميدية، الليبيون حملوا السلاح من أجل أن يرفعوا عن كاهلهم أثقال 42 عاما من القهر والهبل والجنون والتسلط والقتل والتجسس، وهم الآن يحتاجون إلى كل ذرة انتباه ليبدأوا بناء الدولة التى خربها القذافى طوال عقود وأن يزيلوا من على الجدران ومن الرمال آثار الكتب الخضراء والأفكار الجهنمية للمتسلط العبيط.
القذافى حتى وهو فى نزع نظامه الأخير، يصر على اتهام الشعب بأنه يتآمر عليه، ولا يبدو أنه مستعد للنظر فى الشوارع ليرى أن الشعب كله ضده وليس قلة من الجرذان أو المتآمرين كما يحاول أن يقنع نفسه، هذا المتسلط يرى أن الشعب أقلية بينما هو أغلبية، ولم يكن يسخر يوما وهو يقول للشعب الليبى «سأطردكم وآتى بشعب يفهمنى»، كان يجب أن ينتهى من سنوات. لكن بالفعل فإن نموذج القذافى وزملائه الديكتاتوريين يحتاج إلى الدراسة مع المحاكمة. ولا شك أن محاكمة العقيد سوف تكون فصلا من فصول مستشفى المجانين أو المسرح الكوميدى، لأنها ستكشف إلى أى نوع من التسلط ينتمى القذافى، وكيف كان يفكر وهو يهدر ثروات شعبه فى مغامرات غرائبية.. فهل تسمح الظروف ويتم القبض على القذافى أم أنه سيهرب أو ربما يختفى أو يموت؟ وهو حل أكثر كرامة له، وإن كان سيحرم الليبيين من محاكمة حاكم أذلهم أربعة عقود وبقى مجنونا.