لا أغالى إذا سميت حسام الدين زكريا وطنًا الموسيقى. هذا العالم والمفكر والأديب الذى أمضى عمره كله فى الإسكندرية، ولا يزال يرى أن العالم لا يستحق الصراع. والأجمل هو أن تعرف ماذا تحب وماذا تريد وتفعله بأقل قدر من الضجيج، ولا تنتظر منه إلا أن تكون سعيدا بإنجازك راضيا عن نفسك. حسام الدين زكريا الذى تجاوز السبعين من العمر وبدأ حياته مهندسا وضابطا فى القوات البحرية أنفق عمره فى دراسة وفهم الفن التشكيلى والأدب والأهم الموسيقى العالمية. متأخرا جدا بدأ حسام الدين زكريا يسعى إلى نشر أعماله التى انفق فيها عمره فى صمت. نشر عن الموسيقى معجما صغيرا للجيب ونشر عن تذوقها وترجم عن أعلامها كتبا ذات ذوق رفيع مثل العلم والموسيقى وانطون بروكنر وجوستاف ماللر والهندسة فى مصر القديمة وغيرها من الكتب التى وصلت إلى عشرين كتابا. نشر بعضها على نفقته الخاصة فى البداية ثم عرفته دور النشر. كل هذه الكتب الجميلة فى العلم والموسيقى كانت فى الطريق لنشر كتابه الأعظم الذى أنفق فى كتابته عشرين سنة كاملة.
وحده أنفق حسام الدين زكريا عشرين سنة يحرر معجمه الشامل للموسيقى العالمية.. نشرت هيئة الكتاب منذ ثلاث سنوات الجزء الأول من الكتاب فى أكثر من خمسمائة صفحة من القطع الكبير وكان عن المصطلحات الموسيقية ثم صدر هذا الأسبوع الجزء الثانى فى ألف ومائتى صفحة عن أعلام الموسيقى العالمية. هل لك يا عزيزى القارئ أن تتصور ذلك المجهود الجبار يقوم به شخص واحد، سيكون الجزء الثالث عن الموسيقى الأوركسترالية وسيكون الأخير الرابع، والأخير عن المدن الموسيقية. وكل ذلك كتبه حسام الدين زكريا وحده عبر عشرين سنة. فى لقاءاتى معه والفنان الكبير مصطفى عبدالوهاب الذى عاصر ذلك كله مع حسام الدين زكريا فى الاسكندرية نضحك كثيرا وهما يحكيان كيف كان هذا المعجم الجبار مكتوبا كله بخط حسام الدين زكريا. هو الذى جلس إلى مئات الكتب فى التاريخ والفلسفة والعلم والفن والموسيقى يدرس هذه الموضوعات كلها وينفق فيها ليله ونهاره.
وكيف كان يحمل هذا المعجم كآلاف الأوراق فى السيارة الصغيرة فيشغل نصفها الخلفى كله، يبحث عمن يكتبه له على الآلة الكاتبة أو الكومبيوتر فيما بعد. لقد التقى حسام الدين زكريا بكثير من مثقفى مصر الكبار فى رحلاتهم الصيفية إلى الإسكندرية. ومن بينهم المرحوم الدكتور عبدالوهاب المسيرى. أما حسين فوزى أعظم من تحدث عن الموسيقى العالمية فى مصر وفى العالم العربى، رحمه الله. فلقد شاهد الإنجازات الأولى لهذا المعجم الجبار منذ سنوات بعيدة وسأله حسام الشاب ذلك الوقت بعد أن قرأ حسين فوزى شيئا منه فقال له الرجل العظيم: ستكمل يا حسام ما بدأت فمن يتوخى الحقيقة من أكثر من لغة أجنبية ومن يقرأ كل هذه العلوم ليفهم الفنون لن يتوقف. استمر حسام الدين زكريا ونشر ما نشر من كتب جميلة والآن بعد صدور الجزء الثانى من معجمه الشامل فى الموسيقى لابد أن تكون لنا وقفة.
تحتاج الثقافة المصرية والعربية من فضلك أيضا أن تحتفى بهذا العالم والمفكر والفنان هو الذى لا يسعى أبدا لشىء من ذلك. لكن الثقافة هى التى تحتاج أن تشعر بالفخر أن فى مصر شخصا يفنى عمره وحده دون مساعدة من أحد لينجز هذا المعجم الفذ الذى أصدرت منه هيئة الكتاب جزءين وستنشر الجزءين الآخرين. فى هذا السفر الضخم – 1200 صفحة - كما قلت لم ينس حسام الدين زكريا إضافة أعلام الموسيقى العربية إلى أعلام الموسيقى العالمية من العصور الوسطى إلى العصر الحديث. من أكثر من ثمانى لغات ترجم حسام الدين زكريا عناوين المؤلفات الموسيقية ومن مئات الكتب كتب معلوماته عن أعلام الموسيقى من مؤلفى الموسيقى وقائدى الأوركسترا والعازفين ومنظرى الموسيقى وصناع الآلات الموسيقية وكبار المغنين وكتاب النصوص الشعرية ومديرى المسارح الرواد ورعاة الموسيقى وهواتها الجادين الذين لعبوا دورا كبيرا فى إثراء تيار الموسيقى العالمية. حسام الدين زكريا وطن للموسيقى يستحق أن يفخر به الوطن.