لم يصدق ملايين المصريين أنهم سيشاهدون الرئيس الأب والفرعون الإله داخل قفص الاتهام محمولا على نقالة مرضه الأخير فى أول محاكمة علانية لرئيس مصرى عبر شاشات التليفزيون.
حتى لحظة ظهور الرئيس المخلوع تشكك الكثيرون فى حضوره ببدنه وتوقعوا غيابه عن الجلسة الأولى للمحاكمة، بل ذهب خيال البعض بأن هناك «دوبلير» للرئيس المخلوع هو الذى سيكون حاضرا داخل القفص. لكن كانت لحظة للتاريخ السياسى والإعلامى المصرى عند دخول الرئيس السابق على نقالة طبية بجوار ابنيه جمال وعلاء وباقى المتهمين إلى قاعة المحكمة، فالأنظار داخل القاعة وأمام شاشات التليفزيون تشوقت لرؤية تلك اللحظة فى ذهول وصمت، غير مصدقة أن مصر الفرعونية تحاكم رئيسها وتطالب بالقصاص منه.
توقع الكثيرون أن يبدو مبارك منهارا بدنيا وصحيا ومكسورا ومكتئبا نفسيا كما ذكرت التقارير الطبية، لكنه كعادته بدا سليما معافى يعى ما يدور حوله ويتحرك بيديه وذراعيه دون عناء أو شعور بتعب. مبارك لم يتغير ولم يثر مشاعر الاستعطاف معه أو العطف عليه فى لحظة محاكمته. ولا ندرى أى مشاعر تسيطر عليه وهو فى هذه اللحظات؟ ماذا يدور بداخله؟ وماذا يقول لنفسه؟ أى قدر يجعله وأبناءه وأركان حكمه فى قفص اتهام واحد؟ لماذا فعل بشعبه كل ذلك حتى يحاكمه هذا الشعب المسالم المتصالح مع كل رؤسائه وحكامه إلا من تجبر وطغى وقتل الأبرياء الذين خرجوا للمطالبة بالتغيير؟ أسئلة كثيرة بالتأكيد لابد أن تراود عقل مبارك.. علماء النفس سيقفون حائرين أمام شخصية هذا الرجل كثيرا، التحليل النفسى سيرتبك لفهم مفاتيح شخصية الرئيس المخلوع فى يوم الحساب والمحاكمة.
التاريخ السياسى المصرى الآن فى لحظة فارقة حقيقية، فقبل 3 أغسطس ليس كما بعده، سيضع المؤرخون الجدد نقطة ومن أول السطر عند الكتابة، فالمشهد عميق وله أكثر من دلالة ودرس، فاليوم يحاكم أول رئيس فى تاريخ مصر ليكون لمن خلفه آية وعظة وعبرة.
الوقت لا يستحق التعاطف معه فهو رئيس حاكم وليس أبا أو إلها، ارتكب فى حق شعبه العديد من الجرائم من التجويع والفقر والإذلال، ويتحمل مسؤولية التردى والتدهور الذى حدث فى مصر طوال 30 عاما، فلا وقت للاستعطاف، إنما هو وقت الحساب والمحاكمة العادلة، ثم طى هذه الصفحة المشينة لكى نبدأ البناء الجديد.