حنان حجاج

إذلال الشرفاء.. وإذلال الفاسدين

الجمعة، 05 أغسطس 2011 04:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فى القفص الحديدى مكيف الهواء والذى سلطت عليه مروحتان من أعلى لمزيد من تلطيف الجو، وعلى سرير طبى وقف خلفه فريق من الأطباء فى حالة استعداد تام لأى رجفة من الرئيس المستلقى فى كامل وعيه وكامل زينته السابقة- هو نفسه مبارك بشعره المصبوغ وطلته الجامدة - وسط هذه الإجراءات عالية المستوى من الرفاهية، كانت أولى جلسات محاكمة الرئيس المخلوع. كان الرئيس يحاكم بقتل أكثر من 850 شهيدا ويحاكم بالفساد المالى لأكثر من 12 مليار جنيه فى صفقة واحدة، بينما يحاكمه التاريخ والضمير بفساد سياسى استمر ثلاثين عاما. قبل تلك المحاكمة التاريخية وبالتحديد فى شتاء عام 1993 كان الدكتور حلمى مراد قد أتم 75 عاما من العمر، شيخا هرما يعانى أمراض السكر والضغط ومشاكل فى القلب فقد عاش الرجل سنوات عمره كلها يناضل بعلمه وعقله، لم يغض الطرف يوما عن فاسد ولم يتراجع يوما عن مبدأ ولم يخف يوما حقيقة، كان ضميرا يتحرك على ساقين وعقلا يدور فى ساقية الفكر بلا توقف، يروى ظمأ كل من يرغب فى المعرفة كان عالما بكل معنى الكلمة، وكان وطنيا حتى نخاع روحه لكنه كان أيضا شوكة فى ظهر نظام بدأ يسير بخطا واضحة نحو فساد سياسى ومالى، وديكتاتورية جعلت الرئيس يسعى عبر استفتاء سابق التجهيز نحو ولاية ثالثة اقتنص صك حلالها من مجلس شعب مطعون فى عضويته.

لم يخف الشيخ المريض أن يقول شهادة حق وكتب كتابه القيم (لماذا تقول لا فى استفتاء الرئاسة القادم) كان الكتاب لطمة قوية لرئيس يستعد لولاية ثالثة كاسرا بها وعدا سابقا بألا يظل على كرسيه أكثر من فترتين رئاسيتين، فماذا فعل مبارك مع رجل قال لا، فقط قال لا؟
انتقم مبارك انتقام المتجبرين، وفى ليلة شتوية باردة اقتيد الدكتور حلمى مراد أستاذ الجامعة والوزير السابق ونائب رئيس حزب العمل، لقسم شرطة مدينة نصر أخذ من سريره بجلباب النوم حافى القدمين وألقى به على (البورش) ليلتين كاملتين بدون أن يستدل أحد على مكانه.

حكى لى الصديق والحقوقى حافظ أبوسعدة الذى كان يمثل المنظمة المصرية لحقوق الإنسان التى تولت عملية البحث عن الدكتور حلمى حكى، كيف وجد الرجل الكبير سنا ومقاما متكوما فى جانب من حجرة الحجز لا يستر جسده المريض سوى جلباب بسيط، وكيف ناضل مع مأمور القسم وقتها فقط لكى يسمح لهم بإدخال أدوية الدكتور حلمى التى كانت تملأ حقيبة لمعاناته من عدة أمراض، بعضها متعلق بما كان يبذله من جهد وما تعرض له من تنكيل فى سنوات سابقة، وبعضها متعلق بالشيخوخة التى لم تمنعه يوما من أن يظل مناضلا حتى آخر نفس فى حياته، كان مأمور القسم متعنتنا تماما وأسر له أن هناك توصيات عليا بتأديب الرجل، وبعد محاولات ومداولات نجحت عملية إدخال الادوية وثوب آخر ثقيل يقى الشيخ الكبير من برد الزنزانة.

خرج دكتور حلمى مراد من زنزانته أكثر قوة واحتراماً، وقد كان دوما محترما قابضا على جمر صدقه ونزاهته منذ ترك الوزارة وهو المقرب من جمال عبدالناصر، اعتراضا على ممارسات وزير زميل، حتى كتب لأنور السادات يسأل عن الوضع الدستورى لحرم الرئيس بداية عام 1981 فدخل السجن فى اعتقالات سبتمبر الشهيرة. لكن ربما لم يتنبأ دكتور حلمى أن تشهد شيخوخة مبارك بعضا مما ذاقه من إذلال فى شيخوخته، لكن هناك فرقا كبيرا بين إذلال الشرفاء الذى يعلو بهم على قامة التاريخ وبين إذلال القتلة والفاسدين حتى لو توافرت لهم فى زنازينهم كل رفاهية الدنيا، فرق كبير بين من يحترمهم التاريخ ويحبهم الناس وبين من سيحتقرهم التاريخ وتلعنهم شعوبهم.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة