آسف لتكرار تلك النغمة لليوم الثالث على التوالى، وآسف لإعادة نشر هذه السطور مرة أخرى، ولكن التكرار هنا واجب، لأن التعاطف الذى بدا على وجوه البعض حينما شاهد مبارك داخل القفص كان مزعجا، وإزعاجه يشكل بداية طريق لتزييف الكثير من الحقائق.
أنا أكره الرئيس السابق ولم أضبط نفسى متعاطفا مع شخصه وإن كانت بعض الشفقة قد مست أطراف القلب بسبب فكرة الذل بعد العز عموما.. ذلك حال القلب يا سيدى فلا تتهمنى بقلة الأدب أو سوء الحديث مع اللى أكبر منى، وبلاش تتهمنى بالأخيرة دى تحديدا لأن الوالد الله يرحمه علمنى أن الكبير كبير بأفعاله وأعماله، وأنت أدرى منى بأعمال الرئيس وإلى أى شىء تؤهله.
أنا أكره الرئيس المخلوع لأنه لم يشعر حتى الآن بوجع أمهات الشهداء، ولم يسمع صرخات دمائهم، وهى تروى أسفلت التحرير وأرض السويس برصاص رجال وزارة الداخلية الذين رفع كعوب جزمهم فوق رؤوسنا بقانون الطوارئ، وصبغ كل الملفات السياسية بطابع أمنى، ولأنه وهو داخل القفص لم يتذكر أن يعتذر لأهاليهم ولنا عن تلك الدماء التى سالت دون وجه حق، ولأنه لم يبكهم ولم يطلب من كل أم أو كل ابن أو كل أب أو كل صديق أن يسامحه، ولأنه لم يعجل فى الاستجابة لمطالبهم قبل أن تعجل طلقات أجهزته الأمنية فى الخلاص منهم، بل لأنه كان فى استطاعته أن يمنع دم الشهداء من مغادرة شرايينهم لو لم يشهد عقد قران السلطة والمال، لو لم يخنق حرية التعبير، لو لم يمنح أحمد عز فرصة التكبر علينا والسخرية منا، ولجمال فرصة الحلم بامتلاكنا، ولرجال الأعمال فرصة نهبنا.
أنا أكره الرئيس لأنه كان يملك حق حمايتنا من كل هذه الكوارث ولم يفعل ذلك، أنا أكرهه لأنه تركهم يضعون صوره فى الميادين وهو يقف فخما وضخما، بينما شعب مصر بأهراماته وتاريخه يظهرون صغارا أسفل قدمه، أو تحت إبطه، أو فى حضنه.. إن كانت الصورة بالعرض مش بالطول.
أنا أكرهه لأنه لم يبك حينما غرقت العبارة وطفت مئات الجثث على سطح المياه بوجوه مذعورة، ولأنه لم يدمع أو يصرخ حينما طلت جثث المواطنين المصريين محروقة ومتفحمة من داخل شبابيك قطار الصعيد، ولأنه لم يغضب من وزرائه أو حكومته حينما طالت طوابير الخبز والأنابيب والتموين، بل ولأنه كان يظهر على الشاشات وملامح وجهه مرتاحة وراضية وتقول بأنه لا يعرف شيئا.
أنا أكره مبارك لأنه تركهم يعلموننا ونحن صغار أنه «بابا» والسيدة زوجته «ماما»، وتركهم يؤلفون أغانى بهذا المعنى، نرددها فى الحفلات ويكرر التليفزيون إذاعتها بمناسبة وبدون مناسبة، وظللنا نحن نراعى تلك الصلة التى صنعتها الأغانى، حتى كبرنا وفهمنا أنه لا يوجد أب يخنق مستقبل أولاده، ولا يوجد أب يترك وزيرا يغذى طعامهم بالمبيدات المسرطنة، وآخر يسرق أرضهم وورث أجدادهم.
بإختصار.. أنا أكرهه ولا أتعاطف مع وضعه داخل القفص، لأنه لا يوجد أب أو حتى زوج أم يقتل أولاده برصاص الغدر وهم يقفون صفا واحدا للمطالبة بحقهم فى الكرامة دون أن يعتقدوا للحظة واحدة أنهم قد يدفعون حياتهم ثمنا لهتاف «الشعب يريد إسقاط النظام»..