قبل عام ونصف العام وفى إحدى محاضراتى لطلبة الدراسات العليا فى مادة مناهج البحث العلمى طرحت على الطلبة سؤالا يساعد على الحوار والنقاش حول قواعد البحث العلمى، وضرورات التزام الموضوعية فى تقييم الأحداث التاريخية والشخصيات العامة، كانت مناسبة السؤال أن إحدى الطالبات جاءت متأخرة بعشر دقائق عن بداية المحاضرة واعتذرت وعللت تأخرها بحضور اجتماع مهم للحزب الوطنى التى تنتمى إليه.
ورغم عدم ترحيبى بهذا الانتماء فإننى سمحت لها بالحضور بعد أن سخرت من الحزب والحكومة ومن انتمائها للحزب، لكن الفتاة وهى صحفية ناشئة دافعت عن حقها فى الانتماء للحزب، الذى يتفق مع أفكارها، ودافعت عن النظام بحماس حتى إننى اندهشت من وجود شخص لديه كل هذا الحماس لحزب ميت ونظام بائس، وعلى الفور طرحت عليها السؤال ما هى الإنجازات السبعة، التى سيذكرها التاريخ لحسنى مبارك ونظامه؟
وتحدثت فى عجالة عما يذكره التاريخ لمحمد على، والخديو إسماعيل، وعبدالناصر والسادات، وأن الموضوعية تجبر أى باحث علمى على ذكر وتحليل الإيجابيات والسلبيات، وعدم الحكم على فترة تاريخية ماضية بمعايير العصر الذى نعيشه، ثم طلبت من الفتاه ذكر سبع إيجابيات، تكون مدخلا لموضوع المحاضرة.
حصرت الطالبة - ولدت وعاشت فى عصر مبارك - الإنجازات فى حرية الصحافة والإعلام، وتحقيق الاستقرار والقضاء على الإرهاب، وبناء الكبارى والطرق السريعة، ومترو الانفاق، وثورة الاتصالات والهواتف والإنترنت، فقلت لها إن المنطق العلمى يحتم القول إن هناك تطورا فى البنية الأساسية، وبالتالى يمكن القول إنك ذكرتى ثلاثة إنجازات فقط!! فردت فى تسرع وأضافت المدن الجديدة، لكن أحد الطلاب قال إن المدن الجديدة ومترو الانفاق من إنجازات السادات!! شعرت الفتاة بالصدمة فحاولت مساعدتها وقلت لها أضيفى إنجازا رابعا، وهو ارتفاع معدل التنمية إلى حوالى 7 % فى بعض سنوات حكمه، فوافقت وقالت وهناك إنجاز خامس إنه جنب مصر ويلات الحروب وحقق السلام.
شكرت الفتاة وقلت حتى الآن لم تذكرى 7 إنجازات أو أعمال كبرى سيذكرها التاريخ لمبارك، وعليك أن تتذكرى دائما أن مصر شاركت فى حرب تحرير الكويت عام 1991، وبالتالى لا صحة لمقولة إن مصر لم تحارب فى عصر مبارك، وأن العمليات الإرهابية وأحداث الفتنة الطائفية كانت تتكرر باستمرار ضد المنشآت السياحية والحكومية فى سيناء، وعليك أن تتذكرى أيضا أن معدلات التنمية المرتفعة لم تتحقق سوى فى 4 سنوات فقط، وأن متوسط التنمية خلال سنوات حكم مبارك لم يتجاوز الـ 3 % فى المتوسط، والأهم أن عائد هذه التنمية وتوزيع الثروة كان فى غير صالحغالبية السكان من الفقراء «40 %» والشرائح المتوسطة. وأضفت: أعتقد أن التاريخ سيذكر لمبارك أخطاء وسلبيات هائلة تفوق كل الإيجابيات التى ذكرتها، وما إن انتهيت من هذه العبارة حتى تبارى أغلبية الطلبة فى سرد تفاصيل ووقائع الفساد والظلم والاستبداد، والتخريب المتعمد لمؤسسات الدولة والتعليم والاقتصاد، والتفريط فى حقوق ومكانة مصر فى أفريقيا والعالم، علاوة على كارثة التوريث.
أمام هذا السيل من السلبيات التى ذكرها الطلبة عن عصر مبارك ورجاله، حاولت لفت الانتباه إلى ضرورة الالتزام المنهج العلمى فى تقييم المراحل التاريخية والحكام، مؤكدا أمرين الأول أخطاء المعايشة بمعنى أن وجودك فى مرحلة تاريخية ومعايشتك لظروفها، يؤثر فى مشاعرك وعواطفك مما يجعل أحكامك عليها غير دقيقة، لذلك يفضل الباحثون مرور فترة من الزمن على الأحداث والمراحل التاريخية كى تهدأ المشاعر، وحتى تتوافر معلومات ووثائق تمكنهم من الدراسة العلمية والحكم بموضوعية وتجرد أكبر. الأمر الثانى أن هناك ضرورة لإجراء تقييم تاريخى مقارن للمراحل التاريخية والتجارب التنموية، ولا يعنى ذلك مثلا المقارنة بين عبدالناصر ومبارك أو عبدالناصر والسادات، لأن لكل مرحلة تاريخية ظروفها، ولكن أقصد أنه عندما تقيم تطور المجتمع المصرى مصر فى الثلاثين عاما الأخيرة، عليك إجراء مقاربة - لا مقارنة - بين مصر وكل من ماليزيا وإندونيسيا وتركيا والبرازيل، عندها قد تصل إلى أحكام جديدة بشأن عصر مبارك.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
ابراهيم صلاح احمد احمد
كلام علمى
عدد الردود 0
بواسطة:
salascream
برده مش منطقى
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد السيد
الي الكاتب
عدد الردود 0
بواسطة:
Asmaa
مقنع جدا
كلام مفيهوش فلسفة يتفهم بالعقل فعلا
عدد الردود 0
بواسطة:
عاشق بلادي
حققنا الريادة ومن يقول غير ذلك فقد أخطأ
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد العايدى
كلام جميل ولكن
عدد الردود 0
بواسطة:
مينا يوسف
الله ينور عليك
مقاله جميله اوى يا دكتور ربنا معاك
عدد الردود 0
بواسطة:
mahmoued al said
مقال عقلاني جدا ...
عدد الردود 0
بواسطة:
حمزه
اشكرك
عدد الردود 0
بواسطة:
يوسف
مقال متميز