ليس مشهدا عاديا لنمر عليه بسرعة، فهو لم يتكرر من قبل، ولا نعرف ما إذا كانت الأجيال القادمة سوف تراه. نحتاج إلى أن نتوقف كثيرا عند مشهد محاكمة الرئيس السابق محمد حسنى مبارك فى قفص المحاكمة. فى نهاية رحلة تمتد منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين إلى الآن، وماتزال تفرض نفسها على الحاضر، وبالطبع سوف تترك آثارها على المستقبل. ومن المؤكد أنه حتى الخامس والعشرين من يناير الماضى لم يكن خطر بباله أن يكون فى هذا الموضع، محمولا على سرير المرض، هشا وضعيفا ومريضا، عاجزا عن الحركة، فاقدا لحريته. وهو الذى كان يشير فتتحول إشاراته إلى تعليمات، ويلقى بأى خطاب فيحوله المحيطون به إلى برنامج عمل وأوراق، غالبا لم تكن تجد مكانها من التنفيذ.
خمسة وثلاثون عاما على الأقل قضاها مبارك فى السلطة، بين نائب للرئيس السادات، ثم رئيس لأكبر دولة عربية، هل كان مبارك يدرك وهو ينام فى قفص الاتهام كيف كانت الرحلة التى قطعها من عام 1975 حتى الخامس والعشرين من يناير الماضى، وهل يدرك حجم القرارات التى اتخذها وانعكست آثارها على ملايين المصريين بالسلب أو الإيجاب؟. وهل كان يمكن لمبارك أن يغير من مصيره هذا وأن يكون فى مكان آخر غير القفص المحدود وسط مسؤولين كانوا موظفين تابعين له. وهل يدرك جمال مبارك مسؤوليته عن تلك اللحظات الصعبة، وعن أبيه الذى تحول من حاكم إلى متهم بالقتل والتربح؟.
هناك أهمية لتلك المحاكمة الجنائية لمبارك وأبنائه ووزير داخليته، لكن هناك أهمية لأن يتعرف الناس على شهادات هؤلاء فى تصرفاتهم وتحركاتهم وكيف انتهى جمال مبارك من ابن للرئيس كان يمكنه أن يبقى مواطنا مثل جمال السادات أو خالد عبدالناصر وباقى أبناء الرؤساء، إلى متهم سجين يجنى ثمار طموحات لم تكن له، أن يعيش مواطنا، بدلا من أن يكون هو وأبوه وأسرته غارقين فى مأساة لا تبدو لها نهاية.
هل تطرقت أفكار جمال مبارك وهو يسعى لوراثة حكم مصر أن يقف فى هذا المشهد بملابس السجن البيضاء، وهل كان يفكر فى أن غرائزه وجشعه للسلطة، سوف تهدم المعبد على الجميع. وتجعل حتى اسم مبارك الأب، مطلوبا إزالته من على كل الطرق والكبارى والمحطات والمشروعات.
فى التاريخ مآسٍ أكبر من ذلك، لكنها لا تفيد ولا تقدم دروسا يتعلم منها كل من يأتى بعدهم، ولو كان التاريخ يعلم أحدا ما تكرر المتسلطون والطغاة. وبدلا من أن يحاول أنصار مبارك أن يوقفوا عجلة التاريخ، عليهم أن يعلموا أن مبارك لن يعود ولن يكون جاهزا للإجابة عن تساؤلاتهم. لأنه ربما كان عاجزا عن تفهم دروسه الخاصة وتعليمها للآخرين.