سمير العركى

رسالة مانديلا.. التى لم يهتم بها أحد

الأحد، 07 أغسطس 2011 04:52 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان « مانديلا» جريئاً وهو يصر على السباحة ضد التيار، لا أقصد التيار فى جنوب أفريقيا بقدر قصدى التيار فى مصر وتونس، وهو يصدر رسالته إلى الثائرين فى الدولتين فى أجواء مفعمة بـ«الشحن» الثورى و«الشعور» الثورى، و«المد» الثورى... فى أجواء لا تريد فيها النفس إلا حديثاً عن «التطهير» و«الانتقام» وتعتبر أى حديث آخر نوعاً من «الليونة» و«الميوعة» تأباه «الثورة» التى لا تعرف سوى الحسم والبتر والاقتلاع من الجذور!!

ولكن مانديلا امتلك القدرة والشجاعة الكافيتين لأن يقول ما يتحاشى كثيرون ذكره حتى لا توجه إليهم سهام النقد والتجريح القاسية... لقد أثار مانديلا فى نفسى شجوناً وأهاج الذكريات التى تستعصى على النسيان، فمانديلا مازال يذكر اليوم الذى خرج فيه من سجنه بعد قضائه ما يقرب من سبعة وعشرين عاماً فى سجون النظام العنصرى، لذا صدّر رسالته إلى الثوار فى مصر وتونس بذلك المشهد المحبب إلى أسير والذى يظل عالقاً فى ذهنه إلى أن يغادر عالم الأحياء، يقول مانديلا: ما زلت أذكر ذلك اليوم بوضوح.. كان يوما مشمسا ً من أيام كيب تاون، خرجت من السجن بعد أن سلخت بين جدرانه عشرة آلاف شهر، خرجت إلى الدنيا بعد أن وُورِيتُ عنها سبعا وعشرين حِجةً.. لأنی حلمت أن أرى بلادی خالية من الظلم والقهر والاستبداد. إننى أحس بروعة هذه الكلمات فقد عشت مثيلتها وفى يوم مشمس أيضاَ من أيام شهر أبريل عام 2006 خطت قدماى أولى خطواتهما فى عالم الحرية يوم أن غادرت سجن شديد الحراسة «العقرب» بمنطقة طرة بعد اثنى عشر عاماً كاملة من الاعتقال دون تهمة أو جريمة سوى أنى حلمت كما حلم مانديلا بأن أرى بلادى خالية من الظلم والقهر والاستبداد.. اثنى عشر عاماً طفت فيها سجون مصر من طرة إلى الوادى الجديد إلى الفيوم إلى دمنهور ،تركت فى ذهنى ذات السؤال الذى سأله مانديلا لنفسه وهو يخطو خطواته الأولى فى عالم الحرية أمام سجن فكتور فستر: كيف سنتعامل مع إرث الظلم لنقيم مكانه عدلًا؟

ويوم أن قامت ثورة يناير المباركة أحسست أن كرامتى ردت إلىّ فلا يعرف الشوق إلا من يكابده ولا يحس بالظلم إلا من يعاينه، وقد عشنا سنوات فى سجون مبارك ذقنا فيها القهر والظلم وانتهكت آدميتنا ولكنى بالرغم من ذلك لا أجد نفسى إلا مقدرة لتلك الكلمات العظيمة التى سبح بها مانديلا ضد التيار وهو يوجه رسالته للثوار فى مصر وتونس.. إنه إن لم يكن يعيش معنا بدناً فهو يحيا معنا فكراً وتجربة، واستمع إليه وهو يصف حالنا قائلاً: « لكن ما أفهمه من الترجمات التی تصلنی عن تفاصيل الجدل السياسی اليومی فی مصر وتونس تشی بأن معظم الوقت هناك مهدر فی سب وشتم كل من كانت له صلة تعاون مع النظامين البائدين.. وكأن الثورة لا يمكن أن تكتمل إلا بالتشفی والإقصاء.

يقول مانديلا: «أنا أتفهم الأسى الذی يعتصر قلوبكم وأعرف أن مرارات الظلم ماثلة.. إلا أننی أرى أن استهداف هذا القطاع الواسع من مجتمعكم قد يسبب للثورة متاعب خطيرة» فهذا القطاع الواسع من مؤيدى النظام السابق – كما يقول مانديلا - يسيطرون على المال العام وعلى مفاصل الأمن والدولة وعلاقات البلد مع الخارج، فاستهدافهم قد يدفعهم إلى أن يكون إجهاض الثورة أهم هدف لهم فی هذه المرحلة التی تتميز عادة بالهشاشة الأمنية وغياب التوازن.. كما يؤكد مانديلا على ذلك.

قد يكون صعباً على النفوس المقهورة أن تستجيب سريعاً لهذه الكلمات ولكن مانديلا يحاول أن يقدم لنا حجته على رأيه فهو يريد منا أن نتذكر أن «أتباع النظام السابق فی النهاية مواطنون ينتمون لهذا البلد.. فاحتواؤهم ومسامحتهم هی أكبر هدية للبلاد فی هذه المرحلة.. ثم إنه لا يمكن جمعهم ورميهم فی البحر أو تحييدهم نهائيا».

إن كلمات مانديلا السابقة تذكرنى بمن يريد منا أن نتتبع أعضاء «الحزب الوطنى» فرداً فرداً لنمارس ضدهم التطهير ونحاكمهم أمام المحاكم وفق قانون «الغدر السياسى»، وهذا معناه أن نحكم على ما يقرب من ثلاثة ملايين مواطن مصرى كانوا أعضاء فى الحزب الوطنى بالإعدام السياسى ونضمهم من حيث لا ندرى إلى معسكر «أعداء الثورة».

ألا يكفينا رؤوس الفساد منهم الذين أفسدوا الحياة السياسية ونهبوا المال العام وقتلوا الأبرياء لنحاكمهم وفق مقتضيات العدل والرشاد دون اللجوء إلى تعميم العقاب، مما سيؤدى إلى انجراف البلاد إلى دوامة الثأر والبطش أو إلى دوامة الديكتاتورية من جديد.

لقد رفض مانديلا طلباً مماثلاً من السود عند خروجه من السجن ورفض أن ينشغل بتعميم العقاب ويدافع عن رأيه قائلاً: وبرهنت الأيام أن هذا كان الخيار الأمثل ولولاه لانجرفت جنوب إفريقيا إما إلى الحرب الأهلية.. أو إلى الديكتاتورية من جديد، وقبل أن يختم مانديلا رسالته القيمة يطالبنا بأن نتذكر قول نبينا صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».. فهلا عملنا بوصيته من أجل مصر ومستقبلها؟!





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة