عشرات الرسائل وصلتنى من الإخوة السلفيين يسبوننى على مقالى السابق فى هذا المكان، واتهمتنى هذه الرسائل فى عقيدتى، بل إن أحدهم قال لى بصريح العبارة خسارة فيك اسمك.
غضب هؤلاء الذين شتمونى كان لمجرد أننى قلت إن الليبرالية والعلمانية ليست ضد الإسلام بل هما جوهر الإسلام وأن الديمقراطية هى ذاتها الشورى فى الإسلام، لكن بمفهوم غربى متطور ومفهوم الدولة المدنية التى هى غاية ما يطمح له كل مسلم مستنير.
أعلم أننى بالكتابة فى هذا الأمر مرة أخرى أفتح على نفسى نيراناً أخرى من هؤلاء، ولكنى أقولها وأجرى على الله. الليبرالية فى جوهرها والعلمانية فى مقصدها لا يتناقضان مع جوهر وسماحة وعظمة الإسلام، والإشكالية هنا ليست فى رسالة الإسلام ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، بل هى فى عقول المسلمين وكما قال الإمام محمد عبده: ذهبت لأوروبا فوجدت إسلاماً بلا مسلمين وعدت للشرق فوجدت مسلمين بلا إسلام، الليبرالية والعلمانية تعنى العيش بين مختلف الطوائف والأعراق والأديان فى سلام وتعنى العدالة الاجتماعية والمساواة، وفى نفس الوقت تحقق حرية الفرد وحقوق الإنسان، ويرتبط بها شىء يمثل جوهرة التاج فى الشريعة الإسلامية، وهو الأخلاق، والأخلاق فى كل الشرائع تعنى أن تلتزم بمبادئ المعاملات حتى لو تناقضت أو اختلفت مع مصلحتك الشخصية، ألم يقل النبى «صلى الله عليه وسلم» (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
إن ما يحزنى اليوم هو أن بعض التيارات السلفية بل وقوى الإسلام السياسى، التى تستخدم الدين يومياً على المنابر لتحصد أصوات الناخبين تتعامل معنا كأننا فى سوق «مزايدة»، الكل يتحدث باسم الإسلام ويبشر أو يفتى، لقد سمعت الشيخ حازم صلاح أبوإسماعيل يقول: إنه إذا وصل للحكم سيفرض الحجاب على النساء لأنه فريضة بإجماع العلماء، وقال إن هذا الإجماع لا يشذ عنه إلا الكتاب والفنانون والإعلاميون والصحفيون، وقال إن هناك ولايات فى أمريكا مفروض فيها زى معين بالقانون وحسب معلوماتى لم أجد ما قاله وبصراحة حتى لو موجود هذا الذى ذكره فلا أظن أنه يمثل إشكالية لدى الأمريكان لكن ما يمثل لهم إشكالية فعلا هو كيف يعبرون الأزمة الاقتصادية، وكيف يناطحون الصين ويحدون من سطوتها على الميزان التجارى المتبادل وكيف يفرضون هيبتهم وسيطرتهم، أما أن يفجر الشيخ الآن قضية الحجاب، ويعتبرها من ضرورات وأولويات الدولة الإسلامية، التى يريد إقامتها فى مصر فهذا يحتاج منا أن نفتح عقولنا لما هو قادم.
أنا لم أستغرب موقف الأزهر من منع مسلسل الحسن والحسين ذلك لأن الأزهر هو الآخر يعانى من غفلة وصمم وابتعاد عن الفكر والاجتهاد منذ عشرات السنين، ولولا هذه الغفلة ما امتلأت الساحة بضجيج الفتاوى وفقر الفكر الإسلامى وفكر النقل والجمود والرواية لا الدراية كما يقول الشافعى.
الشافعى الذى اجتهد بل غيّر كثيرا من فتاواه التى قالها فى بغداد عندما جاء إلى مصر، وقال ما معناه أن الفتوى لأهلها ومكانها. ما بالكم لو عاش بيننا اليوم؟!
الذين يهاجمون مسلسل الحسن والحسين، لا يزالون يرون الفن حراما، والتمثيل رجسا من عمل الشيطان وصوت المرأة عورة. المسلسل عمل فنى رائع يوضح حقبة من أخطر مراحل تاريخ دولة الإسلام حقبة كان فيها أعظم الصحابة والرجال فرسان الإسلام الأوائل، وكان فيها أيضاً المنافقون والجهلاء والمتاجرون بالإسلام لغرض الدنيا والسلطة والحكم والسياسة.
التاريخ يعظ ويبدو أنه يكرر بعض شظاياه فى وجوهنا فهل نتعظ؟.