أخطر ما فى المرحلة الانتقالية التى يعيشها المجتمع المصرى هو غياب الأفكار، الرؤى، البرامج، المقترحات التى تتعلق ببناء مصر الديمقراطية التنموية. نحن أسرى المربع رقم «1».
النخبة السياسية، أو ما يطلق عليه نخبة سياسية، شبه مفلسة بصرف النظر عن التيارات والاتجاهات التى جاءت منها. فى عام 1952 كانت هناك مشروعات مهمة فى التنمية والعدالة الاجتماعية متداولة فى السنوات الأخيرة قبل حركة الضباط الأحرار، كل ما فعلته النخبة العسكرية التى تولت مقاليد الأمور هو الأخذ بالقاسم المشترك، وبعض المشروعات القائمة آنذاك، ومن بينها مشروع الإصلاح الزراعى. اليوم، عندما عاد الجيش لتولى مقاليد الأمور ليس هناك مشروعات، أو رؤى، باستثناء مساجلات «وهمية» حول الدولة المدنية والدولة الدينية، دون تعريف أى منهما.
العقل السياسى شبه متوقف، والنخبة السياسية انكشفت، ولم تشغل بالها بتقديم أطروحات جادة لخروج المجتمع من الأزمة التى انغرس فيها. لم تكن أزمة النظام فى عهد الرئيس السابق مبارك هى تكلسه وفساده واستبداده، ولكن أيضا تدهور مستوى النخبة السياسية القائمة. فلم يكن ممكنا بعد عقود من تجريف التربة السياسية المصرية أن تظهر طبقة سياسية قادرة على بناء دولة عصرية ديمقراطية وتنموية. التعليم متدهور، والتدريب السياسى غير موجود، والمؤسسات السياسية بدلا من أن تنشر ثقافة الديمقراطية تشبعت بثقافة الاستبداد، والإعلام بدلا من أن يدعم الاستنارة كرس طاقاته لخدمة الاستبداد، لم ينج أحد. الجميع تلوث بدرجات متفاوتة.
المشهد الذى حدث يوم الجمعة الماضى يثبت أن الأزمة السياسية ضاربة بجذور المجتمع، وأن هناك حالة من العجز عن إدارة يوم من الاحتجاج السياسى يحدث فى أى مجتمع ديمقراطى.
المجتمع المصرى لا يزال فى حالة تخبط، اضطراب، عدم وضوح بشأن ترتيب أوضاعه الداخلية، فجأة نجد مجموعات من الشباب، مدفوعين بإحساس وطنى لا أشك فى ذلك، يدفعون فى اتجاه مواجهة ما مع إسرائيل، والولايات المتحدة، ليست فقط بتحطيم الجدار العازل أمام السفارة، ولكن باقتحام شقة تابعة لها، ونثر الأوراق الموجودة بها فى الهواء. أعلم أن الشعور بالعار يحرك هؤلاء الشباب الذين لم يتمكنوا من ابتلاع إهانة مقتل الضباط والجنود المصريين دون اعتذار إسرائيلى مرضٍ، وعدم قدرة حكومة شرف أن تصمد ساعات لتنفيذ قرار سحب السفير المصرى من تل أبيب، فى حين فعلتها إسرائيل. هبطت طائرة عسكرية فى مطار القاهرة، ونقلت السفير الإسرائيلى وأسرته والمعاونين له إلى بلاده.
لا يمكن لجمهورية جريحة فى مصر أن تتعامل مع كل الملفات فى وقت واحد من النوبة إلى سيناء، ومن اتساع رقعة الفقر إلى التوترات الدينية بين المسيحيين والمسلمين، ومن انقسام الإسلاميين إلى إخوان وسلفيين وجماعة إسلامية، الخ، إلى تشرذم القوى السياسية الأخرى أحزاب ليبرالية كثيرة دون اختلاف حقيقى، وأحزاب يسارية تشهد بانقسام اليسار. هذا إلى جانب المعارك السياسية حول الانتخابات والمبادئ الدستورية الحاكمة.... هل بعد كل ذلك نفتح مواجهة إقليمية مع إسرائيل، وعالميا مع أمريكا وحلفائها؟
فى المثل الشعبى يقال «اللى ما يشوفش من الغربال يبقى أعمى»، ونحن يبدو أن لدينا عمى ألوان سياسيا، هل يمكن أن تفلح دولة تلملم أشلاءها، أزمتها رفع القمامة من الشوارع، فى أن تقود مواجهة خارجية وهى تريد كل دعم خارجى؟ المطلوب أن نفهم، ونحلل، ونعى ما يجرى حولنا، ونعرف أن الدولة القادرة على المواجهة، وتركيا مثال فى ذلك، تكون ديمقراطية سياسيا، فاعلة اقتصاديا، وقوية عسكريا، متماسكة داخليا، ولها هيبتها الخارجية.
نبنى بلدنا أولا، مصر ديمقراطية تنموية، حينئذ سنكون فى موضع من يواجه، وغيرنا سيأخذنا بمأخذ الجد حتى قبل أن نضئ «اللمبة الحمرا».
عدد الردود 0
بواسطة:
M H
I do agree
I do agree