كل شىء فى المشهد المصرى، يشير إلى أن مصر ترجع إلى الخلف بسرعة جنونية، وكأن البلاد لا تجد من يقبض مكابحها ويعاود الانطلاق بها نحو الأمام، فقد ترك الجميع مصر تنزف دون علاج، وتحول المشهد المصرى إلى ساحة من الشعارات والكلام الذى لا يسمن ولا يغنى من جوع، وأصبحت الحكومة والمجلس العسكرى يبحثان عن حلول تقليدية لقضايا الوطن والمواطنين كما كان يحدث فى عهد النظام السابق.
فلم يجد المجلس العسكرى والحكومة أمام حالة الانفلات الأمنى التى شهدتها مصر مساء الجمعة الماضى سوى التمسك بقانون الطوارئ، وكأن هذا القانون هو المنقذ لكل الحكام، سواء كان مبارك ونظامه أو حتى المجلس العسكرى وحكومة شرف اللذين يعملان بنظام رد الفعل منذ قيام الثورة حتى الآن.
ففى الوقت الذى يتطلع فيه الشعب المصرى إلى إلغاء القوانين سيئة السمعة والمعيبة فى حق مصر وشعبها، نجد المجلس العسكرى يعزز من تواجد وفاعلية هذه القوانين، ويعدل بنودها لتصبح أشد صرامة، وكأنه يخير الشعب بين الأمان أو الحرية مع الفوضى، وعلى الشعب أن يختار بين الاثنين، كما كان يفعل النظام البائد الذى ظل يتحدث عن الشعب المصرى بأنه غير مؤهل للحرية والديمقراطية، وكأنه قاصر، وفى حاجة إلى أوصياء عليه. ولكن يبدو أن المجلس العسكرى والحكومة نسيا أن هذه القوانين كانت أحد الدوافع التى ألهبت حماس المصريين للقيام بثورة 25 يناير المجيدة.
إن انحراف الثورة عن مسارها فى جمعة تصحيح المسار مسئولية المجلس العسكرى والشرطة فى المقام الأول، قبل أن يكون مسئولية الحركات السياسية التى ذهبت إلى ميدان التحرير. فالشرطة وحدها هى التى تعرف أن مصر بها أكثر من 50 ألف بلطجى – حسب تصريح قيادات شرطية - وتعرف أماكنهم والقضايا المطلوبين بشأنها، وبالرغم من ذلك تركتهم يعيثون فى البلاد فساداً دون أن يعترضهم أحد، مما شجعهم على استغلال الأحداث لتحقيق مأرباهم الخاصة، ومآرب غيرهم ممن لا يريدون الخير لمصر وشعبها، سواء فى الداخل أو الخارج.
إن جميع رجال الشرطة الذين تحدثوا لوسائل الإعلام الأيام الماضية أكدوا أن جميع العناصر التى تم القبض عليها من البلطجية أصحاب السوابق، ومسجلين لدى أقسام ومراكز الشرطة، وبعضهم مطلوب فى 17 قضية مثل الشخص الذى استولى على سيارة المطافئ.
إذا كانت الشرطة تعرف كل ذلك، وتدرك خطرهم على البلاد، فلماذا تركتهم يعبثون فى البلاد، ويستغلون الأحداث وينفذون أجندات خاصة، هل غاب الحس الأمنى عن الشرطة تجاه هؤلاء البلطجية؟، أما أنها تركتهم لحاجة فى نفس حبيب العادلى وزمرته.
إن عملية اقتحام السفارة الإسرائيلية تؤكد أن من قاموا بهذا الفعل هم البلطجية، لأن الشخص الذى يملك وعياً سياسياً إذا قام باقتحام السفارة، وعثر على مستندات لن يلقى بها فى الشارع، كما حدث فى ذاك المشهد البهلوانى، بل سيحافظ عليها لمعرفة ما بداخلها لفضح ممارسات الكيان الصهيونى.
كما أن الحكومة مازالت تُصر على معالجة القضايا والأحداث بالطريقة البائدة، فقررت أن تحمى السفارة الإسرائيلية بسور عازل يثير اشمئزاز الناس بدلاً من اتخاذ موقف سياسى يهدئ من غضب الشارع تجاه الشهداء المصريين على الحدود.
كما قررت الحكومة العودة إلى نظام مقص الرقيب الذى كان يطبقه صفوت الشريف وأنس الفقى، فبدلاً من إتاحة المزيد من الحريات مع فرض الضوابط القانونية التى تحفظ للدولة هيبتها ومكانتها ووحدتها، نجد الحكومة تقرر وقف منح التراخيص للمحطات الفضائية، ثم تبدأ فى مداهمة بعض القنوات الأخرى، فإذا كانت بعض القنوات تعمل بدون ترخيص فمن سمح لها بإعطاء إشارة البث، دون أن يتأكد من استكمال الإجراءات القانونية، أما إذا كان الإغلاق لأن ما تقوله هذه القنوات ليس على هوى الحكومة، فالمصيبة أشد وأعظم.
إن استمرار الحكومة والمجلس العسكرى بالسير على درب النظام البائد لن يخرج مصر من أزماتها، بل سيزيد من معاناتها، كما أن السماح للبلطجية بالاستمرار فى الشارع، دون أن يتحرك الجيش والشرطة لتطهير البلاد منهم، سيجعل منهم ورقة فى يد أعداء مصر يلعبون بها كيفما يشاءون لتحقيق أهدافهم.
إن سمعة مصر وأمنها ووضعها على طريق المستقبل، يستوجب حلولاً حضارية وأفكاراً عصرية وفاعلية أكثر من الشرطة والجيش، فى إطار احترام الحريات العامة والشخصية بدلاً من تصدير المشاكل للثورة، وتطبيق المزيد من القوانين سيئة السمعة التى ستؤدى إلى مزيد من ردود الأفعال وإشعال حالة الاحتقان.
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمود الديب
مقال محترم
عدد الردود 0
بواسطة:
GEHANHANY
يا سلام