قادتنى الصدفة إلى الاستماع لفلسطينى عائد من غزة بعد زيارة لها استمرت شهرا، لم يعوضه، كما قال، عن ثلاثين عاما من الغياب الإجبارى عن الوطن والأهل، وعاشها كلها فى مصر وتزوج من مصرية، وأصبح له ذرية، أبناء مصريون وفلسطينيون فى آن واحد، وينقصهم فقط رؤية أهلهم فى خان يونس.
قال الرجل إنه على الرغم من مرور أكثر من ثمانية أشهر على ثورة 25 يناير فى مصر، إلا أن كل من التقى بهم فى غزة لا يملون من الحديث عنها، والجميع فى القطاع يستقبل أى عائد من مصر وكان حاضرا فترة الثورة، على أنه سينقل الرواية الأهم حول الثورة، وأن ذلك يتم على خلفية أن مصر لا تتساوى مع أى بلد آخر عندهم، مهما فعلت الحكومات واختلفت السياسات، وأشار الرجل إلى أن انتظام افتتاح معبر رفح أعطى دلالات سياسية عميقة، أهمها أن إغلاقه أيام حكم مبارك كان يتم بقرار إسرائيلى، والدليل أنه عندما سقط مبارك تم انتظام فتح المعبر فيما يعد دلالة عميقة على أن الثورة قطف الفلسطينيون بعض ثمارها، ومنها أيضا تدخل «مصر الجديدة» من أجل المصالحة الفلسطينية.
تحدث الرجل عن أنه رغم مصاعب الحياة فى غزة، وتعرضها للوحشية الإسرائيلية، كل يوم إلا أن أهلها لا يقطعون الأمل أبدا فى يوم التحرير الكامل، وزاد منه ما حدث فى مصر بعد أن كان أمل التغيير معدوما.
كانت زيارة الرجل قبل اقتحام السفارة الإسرائيلية فى القاهرة يوم الجمعة الماضى، لكنها كانت أثناء القرار التركى بطرد سفير إسرائيل من أنقرة، على أثر تقرير الأمم المتحدة اللعين الذى أعطى إسرائيل شرعية لجريمتها بالاعتداء على أسطول الحرية، الذى سيرته تركيا لكسر حصار غزة، وسقط 9 أتراك بسبب هذا الاعتداء الغاشم، وهو ما قادنى إلى السؤال عن تأثير ما فعلته تركيا على غزة، فأجاب الرجل بعد تنهيدة عميقة قائلا: «العلم التركى يرفرف فى كل القطاع، ولا وجود للأعلام العربية، وصور أردوغان تغطى كل الأمكنة، ليس باعتباره زعيما تركيا وفقط، وإنما زعيما عربيا مفتقدا».
ومن هذه الزيارة إلى زيارة أردوغان إلى القاهرة، تمتلئ النفوس بالشجن نحو غزة وكل فلسطين، وبالأمل نحو تقارب مصرى تركى أعمق لعله يعود بالفائدة على القضية الفلسطينية ضميرنا الوطنى الذى لا ننساه.