«حاجة تفرح بجد»، تظاهرة «تصحيح مسار الثورة» بعدما كادت أن تموت بين أيدى ناهشيها ومتنازعيها.. الجمعة الماضية 9 سبتمبر أعادت إلى ذاكرتنا وذاكرة مصر أيامَ يناير المحفورة عميقا فى عقولنا وقلوبنا وتاريخنا، ربما الفارق أن انتفاضة يناير التى أفضت إلى ثورة بدأت عفويةً فطريةً، ثم راح الانتظامُ يكسوها شيئًا فشيئًا، ويومًا بعد يوم، حتى غدت خلال ساعات برنامجًا يوميًا وحربًا بيضاء سِلمية ضد الفساد، حتى نجحت فى انتزاع رأسه بعد ثمانية عشر يومًا، بينما تظاهرة 9 سبتمبر لم تكن عفوية، بل سكنتها القصديةُ والترتيب قبل انطلاقها بأيام طوال، منذ بدأ المصريون يشعرون أن الثورة تُسرق من بين أيديهم.
«حاجة تفرّح»، لأننا شاهدنا من جديد الشبابَ على اختلاف طبقاتهم وألوانهم وعقائدهم، لا نفرّقُ بين الولد والبنت، المسيحى والمسلم، الغنى والفقير، فقط هم مصريون، يا له من تعريف جميل لا يحتاج إلى مزيد من الشرح! فقط مصريون. وكما حدث فى يناير، اختفى البلطجيةُ والمتحرشون من الميدان، رغم الإعلان المسبق عن غياب الشرطة والجيش.. وضع الشعبُ يدَه، هذه المرة، فى يد الشعب، بعدما أيقن أن الثورة لن يحميها إلا الشعب، صانعُها الأوحد، والمستحقُّ الأوحدُ لثمارها، مهما تكاثر الطامعون.
الإخوان والسلفيون رفضوا المشاركة فى التظاهرة.. قالوا: لا داعى لمظاهرة جديدة بعد تحقق معظم المطالب! والأدقُّ أن لا مطالبَ تحققت إلا ما يصبُّ فى خانة مصالحهم، لهذا غابت كل العناصر الدينية، وربما كان هذا من أسباب نجاح هذه التظاهرة الشريفة التى قال لسانُ حالها: الشعبُ والشعبُ «إيد» واحدة.
الشعبُ المدنيّ المتديّن بالفطرة السليمة لا بحدّ السيف والإرهاب والترويع، الذى يؤمن أن الدينَ محلُّه الهيكل والكنيسة والمسجدُ، بينما الوطنُ بكامله لأبنائه دون حسابات عقائدية أو أيديولوجية أو طبقية.. ذاك الشعب المثقف الذى خرج يوم 25 يناير ينادى: «رغيف، حرية، عدالة اجتماعية»، ثم تعالى صوتُه مناديًّا: «اِرحلْ»، ثم تعالى صوتُه أكثر: «سِلمية، سِلمية، مدنية، مدنية»، هو ذاته الشعبُ الذى خرج الجمعة 9 سبتمبر، احتفاءً بعيد الفلاح، رمز مصرَ الزراعية «هبة النيل» كما قال هيرودوت، ليأخذ بيد الثورة التى أجهدتها الأيادى الناهشةُ التى تتلمّظ لاختطافها والتهامها، لولا ثوار بلادى الشرفاء الذين، بإذن الله، سيُكتب لهم أن ينقذوها من أيدى الطامعين الطمّاعين الذين لم يخرجوا فى يناير إلا بعدما أريقت دماءُ الشرفاء وبدأت راياتُ النصر تلوحُ فى الأفق، فنزلوا ليجمعوا مغانمَ لا تحقُّ لهم.
لا جديدَ إذن فى أجندة الإخوان والسلفيين.. قبل الثورة كانوا يحرمون الخروجَ على الحاكم، وإن كان ظالما مادام مسلمًا!! وبعد نجاح الثورة قالوا: نحن من صنعناها ويحقُّ لنا الحكم! بل إن الفئة الأعلى صخبًا الآن والأجهرَ والأغلظَ صوتًا - السلفيين طبعًا - يقولون إن الحكم لهم، لأنهم كانوا يثورون على مبارك ونظامه ثلاثين عامًا، «ثورةً صامتة»!!!! ونعود إلى كتب التاريخ والموسوعات لنتعرف على أنواع الثورات، فلا نجد أثرًا لشىء اسمه «الثورة الصامتة»، إلا فى معاجم السلفيين العجائبية.
ومرّت شهورٌ تسعة على الثورة، وليس من فصيل جاهز للانتخابات سوى الإخوان المتوحدة صفوفهم منذ ثمانين عامًا، والسلفيون الذين بوسعهم تجهيز صفوفهم فى ربع ساعة، باستخدام كروتهم الجاهزة: الصوت العالى، السيف، الكلام باسم الله - حاشاه - الترهيب بجهنم وبئس المصير لكل مَن تسوِّل له نفسه ألا ينتخب مرشحيهم، أو يتجاسر ويحلم بدولة مدنية ديمقراطية ليبرالية، إذْ الديمقراطيةُ والليبراليةُ والعلمانيةُ كفرٌ وإلحادٌ ورجسٌ من عمل الشيطان! لذلك يحقُّ لهما، الإخوان والسلفيين، أن يناهضوا أية حركات تحاول إنقاذ الثورة المعتلّة.