د. سعيد إسماعيل على

وقفة مع «العمرة»

الأربعاء، 14 سبتمبر 2011 03:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الذين يتابعون، ولو بعض ما أكتب، فضلا على الذين يعرفوننى شخصيا، لابد على دراية بأننى ممن يحسبهم البعض، إن لم أكن من التيار الدينى، فعلى الأقل، من أصدقائه أو القريبين منه، وإن كنت دائما أرفض مثل هذا التصنيف، لأسباب لا داعى لشغل القارئ بها عن قضيتنا الحالية.
أقول هذا مقدما، حتى لا يسىء أحد فهم المقال الحالى..
فأداء العمرة، كما هو معروف ليس من «الفرائض» التى يأثم المسلم إذا لم يؤدها، ويُثاب إذا أداها، مثل «الحج»، فهى «سنة»: لا يعاقب من لم يقم بها، لكن يثاب من يقوم بها.
وبطبيعة الحال، فالسعى إلى كسب ما يستحق أن يُثاب الإنسان عليه، أمر مطلوب، لكن الذكاء الشعبى المصرى، المتدين بفطرته، قد توصل إلى قاعدة ذهبية عندما قال: «اللى يحتاجه بيتك يحرم على الجامع»، وهو فى ذلك يتسق تماما مع المنطق الإسلامى، ذلك أن من المعروف أن كل خلق الله، لو اجتمعوا على عبادة الله، لم يزد ذلك فى ملكه شيئا، ولو اجتمعوا على قلب رجل واحد على معصيته، ما نقص ذلك من ملك الله شيئا.
ومن ثم، فإن ما أتى به الدين، هو لمصلحة الإنسان نفسه، حتى «العبادات» التى تبدو فى جوهرها، «من أجل الله»، تعود كذلك إلى مصلحة الإنسان، ذلك لأنها إذ تقربه من الخالق، وتحثه على طاعة الله، تربطه بالتالى بمنظومة أخلاقية على أعلى درجة ممكن تصورها، فضلا على ما لابد أن يلازم الإنسان من «راحة بال»، وطمأنينة نفس، وسعى دائب للعمل والإنتاج.
ولسنا بحاجة إلى تذكير القارئ بالوضع المؤسف الذى عليه الحال الاقتصادى فى مصر، والذى من مظاهره أن يكون هناك ما يقرب من 40 % من المصريين عند خط الفقر، وأن 20 % منهم تحته..لا يجدون ما يسد رمقهم، أو يستر جسدهم، ويأويهم.
وقد زادت أحداث الثورة الأمر الاقتصادى سوءا، نظرا لتراجع الإنتاج، بينما علت أسقف المطالب، حتى أوشكنا أن نصل إلى حدود خطر، يدفع المسؤولين دفعا إلى سرعة مد اليد إلى آخرين طلبا لمساعدات.
ولقد لفتت الأحداث التى أحاطت بموسم العمرة فى رمضان الماضى نظرى، فضلا عن «البهدلة» التى قاسى منها ألوف من المصريين، لسوء خدمة الطيران السعودى، أن أعداد المعتمرين بلغوا رقما قياسيا، حتى لقد تجاوز السبعين ألفا، فإذا عرفنا أن عمرة رمضان، عادة ما تستغرق أياما أكثر من الإقامة، وما يعنيه هذا من تزايد الإنفاق، وحسبت متوسط التكلفة اليومية، فضلا على تكلفة السفر، تجد أن الإنفاق الكلى يصل إلى مليارات تقل قليلا عن أصابع اليد الواحدة.
ونريد من بعض علماء الدين، أن يفتونا بالنسبة لمن يريد القيام بالعمرة، أكثر من مرة: ألا يوجد أمام مسلمى مصر أوجه من الإنفاق فى سبيل الله أولى مما يعود على أهل وطنهم بالنفع والفائدة؟
هذه الآلاف التى ينفقها المعتمر الواحد:
ماذا لو أنفقت لإنشاء مستشفى لعلاج مئات الألوف ممن لا يجدون نفقات العلاج؟
ماذا لو أنفقت فى فتح مدارس، تخفف التكدس الحادث، نتيجة قصور مالى فى بناء مدارس جديدة؟
ماذا لو أنفقت فى سبيل بناء آلاف الشقق السكنية لتخفيض نفقات السكن بتكثير المعروض ليتسق مع تزايد الطلب، فيجد مئات الألوف من الشباب فرصا متاحة «لإكمال نصف دينهم» بالزواج وتكوين أسرة؟
ماذا لو أنفقت فى سبيل تعمير آلاف من الأفدنة فى صحراء مصر مترامية الأطراف لإيجاد غذاء نطعم به الملايين، وبسعر أقل، فنتيح الفرصة للمحافظة على النفس، وهى من مقاصد الشريعة؟
عشرات الأمثلة يمكن أن نسوقها، تجعلنا ندعو علماء الدين إلى أن يفتونا، ما هو الأكثر حلالا، وأقرب تحقيقا لمقاصد الشريعة؟





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة