د. بليغ حمدى

الطوارئ لا تزال فى جيبى

الخميس، 15 سبتمبر 2011 09:47 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنت ممن أعتقد أنه يعرف الكثير عن أحوال وطنى، لكنى كل يوم أكتشف أننى لا أعرف شيئاً عنه، فلقد تصورت أنه بعد سقوط النظام البائد وحاشيته أرباب سجن المزرعة على أيدى الثورة البيضاء الشعبية أن أنوراً كثيرة قد ماتت أو ذهبت إلى النسيان، مثل فكرة الضرائب العقارية، أو أزمة مياه حوض النيل التى لا أعرف إلى أين انتهت، وأخيراً الطوارئ أو ما يعرف بقانون الطوارئ المصرى الذى اعتقدت أنه سقط تماماً من عرف القوانين المصرية.


هذه حقيقة فأنا افترضت أن هذا القانون هو من محض خيال وزارة الداخلية فى عهد مبارك الرئيس المصرى المخلوع، ولم أكن أتصور أن اللفظ ذاته سأسمعه يوما ما، لكننى فوجئت فأنه سيتم تعديل مواده، هذا يؤكد بقاءه بيننا، ويجعلنى أتصور أن قانون الطوارئ مثل الرصاصة التى كانت بجيب الممثل محمود ياسين فى فيلم "الرصاصة لا تزال فى جيبى"، وفى أى وقت أستطيع إخراجها ووضعها فى المسدس.

وعودة فتح ملف الطوارئ فى مصر، جاء نتيجة ما شهدته البلاد من إحداث فوضى عشية يوم الجمعة الماضية التى أكاد أجزم أن سببها غير معروف، ولكم ضقت ذرعاً بعبارات فلول الوطنى وحكايا البلطجية والألتراس الأهلاوى الذى أصبح عاراً على جمهور الأهلى الحقيقى، وأصبحت أطالب المجلس العسكرى وليس الشرطة بتقديم المتهمين الحقيقيين لمثل هذه التصرفات الصبيانية المشوهة.

ورغم أننى كنت فى هذه الأحداث بعيداً عن مناطق العبث الذى أقدم عليه قلة لا نعرفهم حتى كتابة هذه السطور، إلا أننى كنت أطالب وقتها بقمع كل من يحاول أن يعبث بأمن مصر واستقرارها، لا على سبيل خطابات مبارك التى كان يدغدغ بها مشاعرنا بعد كل كارثة تلحق بمصر الغالية، وليس بفكرة تتبع المجرمين الذين هم بالضرورة هاربين بعيداً عن أعين رجال البوليس السرى، نعم السرى لأننى لم أعد أراهم فى كل شبر بمصر، ولكن القمع الذى أريده من باب سد الذرائع ومنع الجريمة من أن تقع من الأساس.

نعم أنا مثل غيرى من ملايين أبناء هذا الوطن الذى يريد نعمة استقراره والبعد عن ما يعكر صفو أمانه وأمنه، ولكن كنت أفضل أن يجد رجال الشرطة مخرجاً شرعياً للتواجد الأمنى بيننا بغير ما اعتاد عليه فى الأنظمة القمعية والسلطوية السابقة كقانون الطوارئ وزيارات أمن الدولة الليلية لبيوت المصريين بغير دعوة مسبقة.

لأن قانون الطوارئ وعودته يذكرنى بأيام مريرة حدثت لغيرى فى السنوات المنصرمة، حينما كان يؤخذ العاطل بالباطل، ويساق المواطن البرىء بذنب المجرم البلطجى إلى غياهب سجون أمن الدولة المنحل، لذا إذا كانت الدعوات تنادى بضرورة عدم تفعيل قانون الطوارئ، لما عليه من مثالب ومآخذ، ويرى المجلس العسكرى ضرورة فى تعديله لما يعترى الوطن من شواهد وأحداث أضرت به وبمستقبلنا السياسى والاقتصادى والدولى أيضاً، فلابد من وضع ضوابط لتطبيقه أو لإعادة تفعيله، حتى لا يؤخذ البرىء بذنب المذنب.

علاوة على أنه يصعب التفريق حالياً بين المواطن الثائر بحثاً عن مطلب مشروع، وبين بلطجى مأجور لا يعرف للرحمة مساقا. وإذا كان لقانون الطوارئ ضرورة أمنية لا ضرورة للتواجد الشرعى للشرطة بين أبناء الوطن، فلابد من الاهتمام الشديد بمعايير تطبيقه ووضع شروط قاسية ومنضبطة فى إجراءاته واقتصاره على من تثبت إدانته بارتكاب فعل يضر بمصلحة البلاد وأمنها واستقرارها.

نعم أرغب كغيرى فى التواجد الأمنى المعتدل لرجل الشرطة بشروط يرتضيها المجتمع المدنى ويحترمها، وأرغب فى إشاعة الأمن والأمان فى الشارع المصرى، ولكن لا أرغب أن يصير قانون الطوارئ كالرصاصة التى تحدثت عنها فى بداية المقال، أى لا أجعلها فزاعة أظهرها وقتما أشاء وكيفما أريد.

لقد ثار الوطن وغضب لكرامته وقرر ألا يعود لنقطة الصفر، وبالرغم من أنه يأمل فى الأمن ونعمة الأمان إلا أن بعض الحوادث تعصف بتاريخه وبمستقبله، لذا فعودة الشرطة بفعالية هو مطلب ضرورى، لكن من غير تعسف أو قمع أو جهل فى تطبيق القانون، ووسط كل ما يحدث بحبيبتى مصر، لك الله يا وطنى.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة