صُدم المجتمع المصرى بصدور قرار المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتمديد حالة الطوارئ، فى الوقت الذى ينتظر فيه تحقيق أهم أهداف الثورة التى قامت على تحقيق جملة من الأهداف يأتى فى مقدمتها إلغاء حالة الطوارئ المفروضة على البلاد منذ عام 1981 دون انقطاع، حيث استمرت طوال عمر النظام السابق واعتمد عليها بشكل أساسى فى تحقيق مساعيه، وهو ما أدى إلى انتشار العديد من الممارسات السلبية التى ارتبطت بالنظام السابق لعل فى مقدمتها استشراء ظاهرة التعذيب.
وقد مثل هذا القرار خطورة كبيرة على المجتمع المصرى لأنه يحمل بين طياته دلالة رمزية خطيرة، وهى تراجع الثورة المصرية عن تحقيق أهدافها الأساسية، ورغم تقديرنا بأن هذا القرار جاء كرد على أحداث مساء يوم الجمعة الموافق 9/9/2011 التى اعتدت فيها مجموعة من غير المتظاهرين على مبنى وزارة الداخلية فى أعمال شغب غير مبررة على الإطلاق، ذلك لأن وزارة الداخلية لم يكن لها وجود رسمى فى المظاهرات. وبالتالى ما قام به هؤلاء هو جرائم، فهو تعد على مؤسسة من مؤسسات الدولة، وكذلك ما حدث فى محافظة الجيزة أمام مديرية أمن الجيزة الذى لم يكن أيضا مبرراً لأن قوات الشرطة لم تكن موجودة أمام السفارة، فهى لم تعرقل أعمال هدم الجدار، ولكن وبعد أن تم الانتهاء من أعمال هدم الجدار اشتبكت مجموعات مع قوات الشرطة المحيطة بمديرية أمن الجيزة، وحاولت الاعتداء على السفارة السعودية. ونحن نعتقد أنها أعمال شغب ومحاولة قام بها أشخاص غير مسؤولين لا ينتمون للثوار الذين تنصلوا من هذه الأعمال. ولكن رد الفعل حيال هذه الأحداث جاء متسرعا للغاية من خلال إعلان تطبيق قانون الطوارئ الذى كان قائما منذ قيام الثورة ولم يساعد فى منعها، لذلك أنا أشك فى فاعلية هذا القانون لقمع العنف أو الأعمال المسلحة التى تستهدف المجتمع المصرى فى هذه الفترة، وأن قانون العقوبات كاف تماما لهذا الغرض وقادر على تحقيق هذه الأهداف.
وأعتقد أن ما نحتاجه هو استكمال بناء جهاز الشرطة المصرى، بمعنى استكمال كل القدرات المادية من أسلحة وأدوات وكاميرات مراقبة التى تمتلكها أجهزة الشرطة الحديثة فى دول العالم الديمقراطى، وأن تكون فى ذات الوقت فعالة، أى يكون هناك قبول لها فى المجتمع المصرى من خلال تغيير العقيدة والممارسة الخاصة بجهاز الشرطة فى التعامل مع المواطنين، وهذا لن يحدث إلا بتكاتف قوى الشعب والشرطة سويا لتجاوز المرحلة السابقة، وأن تقوم الشرطة بإعادة الأمن إلى المجتمع المصرى ومواجهة ظواهر الإجرام المسلح التى ظهرت فى المجتمع المصرى بعد الثورة وبعد سقوط جهاز الشرطة وسقوط 15 ألف قطعة سلاح فى أيدى بعض الأفراد. النقطة الأخيرة: تتعلق بالشرطة والمجتمع، فهناك ضرورة لخلق حالة حوار بين الشرطة والمجتمع، بحيث يشارك المجتمع جهاز الشرطة فى إعادة وممارسة التأمين اللازم لحماية المجتمع، ودعم عمليات المكافحة ضد المجرمين، ولكن يجب على الشرطة أن تتبنى سياسة تعتمد على حقوق الإنسان فى تعاملها مع جميع المواطنين حتى الأشد خطورة ولتكن سياسة الشرطة الجديدة هى العمل على حماية أمن وأمان المواطنين فى مظلة احترام حقوق الإنسان وتحقيق سيادة القانون.
ولكن تمديد حالة الطوارئ بهذه الطريقة يحمل معه رسالة داخلية وخارجية لمصر فى مرحلة ما بعد الثورة، ونحن الآن نعول على دور مصر على المستوى الإقليمى بعد الثورة، بحيث يشبه دورها إبان فترة الخمسينيات والستينيات حيث قادت مرحلة المد القومى للتحرر من القوى الاستعمارية فى المنطقة، فإذا كانت مصر قادت مشروع التحرر القومى، فيجب عليها الآن أن تقود المنطقة فى المرحلة المقبلة للتحرر من الاستبداد الداخلى وتعزيز أسس الديمقراطية وسيادة القانون، فإذا وضعنا هذا نصب أعيننا يجب ألا نقدم رسائل تقلل من دور مصر المطلوب فى الفترة القادمة، ونخلق حالة من الإحباط فى ذات الوقت لدى الثوار ونعزز مقولة إن مصر تعود إلى الخلف.