حنان حجاج

النوبة وحلم العودة

الجمعة، 16 سبتمبر 2011 03:48 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أخيرا وبورقة واحدة حملت توقيع رئيس الوزراء عصام شرف تم حل أزمة يزيد عمرها على مائة عام. مائة عام من التهجير والحنين للعودة لظلال النخيل ورائحة مياه النيل وحضن بيوت الطين وأحواشها الواسعة، حصل النوبيون من أبناء مصر على حق عودتهم لديارهم الأولى، أما المدهش فهو أنه وفى الوقت نفسه كان محافظ أسوان -والذى مازال محتفظا بمنصبه قبل وبعد الثورة- يدير الأزمة من مكتبه بنفس الطريقة القديمة وهى أن تصنع أزمة جديدة لتشغل الرأى العام عن الأزمة الحقيقية، وأن تخلق صراعا ساخنا لتشغل الناس عن كفاحها الأصلى من أجل حقوقها وبينما كان النوبيون ككل أبناء مصر يطالبون بحلمهم القديم فى أرض أجدادهم وديارهم كان المحافظ يجتمع بأبناء القبائل العربية فى أسوان ليحرك صراعا جديدا بينهم وبين أبناء النوبة باعتبارهم طامعين وباحثين عن حق ليس لهم، لكن الصراع الذى كاد أن ينفجر بين الفريقين أنقذته ورقة رئيس الوزراء.

أخيرا تحقق الحلم، وبعد أن اختفى كل معالم قرى النوبة عام 1964 أربعة وأربعون قرية وعشرات الألوف من المنازل والحكايات والأغانى ومراكب الصيد وأشجار النخيل تحت مياه بحيرة ناصر وقبلها سد أسوان وتعلياته، وتفرق الأهل والأصحاب، وعاشت 100 ألف أسرة تهجيرا جماعيا لم تشهده مصر من قبل، وللحق لم تبخل الدولة وقتها بإعادة تسكين هؤلاء وتوطينهم فى قرى وبيوت بديلة أثارت وقتها إعجاب العالم ونال المشروع المصرى لإعادة التسكين جائزة اليونسكو، لكن كل بيوت التسكين الأسمنتية وشوارع القرى الرملية والحياة الجافة صحراء لم تكن أبدا بيتا ولا شارعا لأصحاب الوجوه السمراء والقلوب الطيبة من أهالى النوبة المصريين قلبا وروحا، وظل حلم العودة للأرض الأم قائما مقام الروح حتى بعد أن تفرقت العائلات وتوزعت الأحلام بين الشمال والجنوب وحتى خارج الحدود.

ولكنها ليست البحيرة وحدها التى ابتلعت أحلامهم وأسكنتهم الحزن بل أيضا طريقة التعامل المجحف طوال السنوات الماضية لملف النوبة وأبنائها الذين طالبوا بحق العودة حول البحيرة كبديل لحياتهم السابقة على ضفتى النهر، خاصة أنهم كانوا فى مقدمة، بل أهم من ضحوا لبناء السد العالى باعتباره مشروعا قوميا عظيما، وكان الرفض والتسويف والتخوين، بينما المبررات الرسمية أضعف وأغبى من التصديق، تارة بأن هناك مشروعات ستقيمها الدولة لاستثمار شاطئ البحيرة الذى يمتد لمئات الكيلومترات، وتارة بالخوف أن تكون تلك بداية انفصال أبناء النوبة، وتارة ثالثة بسبب الدواعى الأمنية وتارة رابعة بالخوف أن يلوث هؤلاء مياه البحيرة، وهكذا ظل الملف معلقا بلا هدف أو مواجهة صريحة ولو لمرة واحدة وظل أبناء النوبة يتراوحون فى ردود أفعالهم بين الحزن الصامت وبين الصراخ الزاعق حتى وصل إلى حد اللجوء للخارج ومحاولة تدويل الملف لحل الأزمة الوهمية التى صنعها الفساد والتعنت، خاصة بعدما تردد أن مجموعة من رجال الأعمال أخذوا بالفعل مئات الآلاف من الأفدنة حول البحيرة وتركوها فى ثلاجة التسقيع عبر علاقات الفساد التى كانت قائمة بين النظام ورجال الأعمال.

كان الأمر كله لا يحتاج سوى قرار واحد يقول أعيدوا النوبيين لزرعهم ومائهم وبيوتهم، حيث الشمس تنير حوش البيت والنخيل يظلل سقفه والمراكب تفرد أشرعتها فى رحلات صيد نظيفة، والأرض السوداء تنبت أجمل زرعها، وجاء القرار بسيطا وعظيما ليحل أزمة قديمة صنعها النظام الفاسد، قال لى الشيخ عبدالصبور حسن فرحا أخيرا الحلم يتحقق، سنعود كلنا سنرسل لكل نوبى هجر الوطن مفتاح بيته.

الآن جزء من جسد مصر يعود لمكانه، الثورة الآن تبنى وتنجز ولولاها ما عادت الأرض وتحقق الحلم.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة