حنان حجاج

مصر المتسولة

الجمعة، 02 سبتمبر 2011 05:51 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ثلاثون يوما من التسول على مصر، ثلاثون يوما من النصب بطعم المن، ثلاثون يوما جديدة تعذبت فيها كما كان يحدث كل عام فى نفس هذا الشهر الجميل، شهر رمضان. حلمت هذا العام بألا أرى ما كان يحدث فى الماضى، أن الثورة العظيمة ستغير ولو قليلا من مولد الشحاتة الرمضانى السنوى، لكن يبدو أن أحلامنا لا تزال بعيدة المنال.
كانت مصر تبدو على شاشة التليفزيون الرسمى والقنوات الفضائية كامرأة عجوز، أو أرملة بلا رجل تستجدى علاج أبنائها، وكساء عراياها، وإطعام جوعاها. كل شىء ينتظر تبرعات أهل الخير، كل شىء كأن مصر بلا دولة، وبلا حكومة، وبلا موزانة، كأن مصر ليست وطنا يحمى ويعالج، ويعلم ويسقى عطشاه. فعل فينا النظام الفاسد السابق فعلته، حوّل أكثر من 40 % من الشعب لفقراء لا يجدون قوت يومهم، وحول مرضى السرطان والكبد والكلى لمتسولين تتعلق حياتهم بثمن قرص الدواء الذى يتعطف به أهل الخير عليهم، تخلى النظام عن كل مسؤولياته الأساسية، وتركها لأهل الخير. من قال إن دولة- أيا كانت- تترك مرضاها بلا علاج، وتستجدى أهل الخير لتبنى بأموالهم، ثم تفتخر بأكبر مستشفى لعلاج الأورام فى مصر، وتكتفى بلمسة الهانم وصورتها لتزين بها المستشفى الذى دفع ثمنه أبناء الشعب، وأين كانت الدولة من مرضى السرطان، كانت الدولة تبحث عن ضريبة الـ36 % ثمن إعلانات التبرع التى عجز يوما معهد الأورام القومى الذى يستقبل مئات الآلاف من فقراء السرطان كبارا وصغارا، عجز حتى أن يعلن عن فتح باب التبرعات لمرضاه، بعد أن تركته الدولة بلا ميزانية، اللهم إلا ما يأتى من ميزانية الجامعة التى يتبع لها المعهد، ولن أنسى حديثى مع الدكتور حسين خالد، عميد المعهد وقتها، وقبل ثلاث سنوات، عندما قال لى إنهم على شفا الإفلاس، فحساب المعهد قد نفد، ولا يعرف كيف سيغطى ميزانية علاج مرضاه لبقية العام، وإنه عندما طلب زيادة الميزانية قالوا له قم بحملة لجمع التبرعات، فاكتشف أنه عاجز عنها لأن الأسعار أكبر مما يطيق، خاصة أن التليفزيون يحصّل 36 % ضريبة على كل إعلان، فقد كانت الضرائب وما زالت تمثل أكثر من 90 % من إيرادات مصر التى اكتفى نظامها السابق بالجباية دون العمل.
مصر التى ما زالت تستجدى حتى الآن علاج أبنائها، وتعليم صغارها، لا يجب أن تظل هى نفسها بعد الثورة، ولا يمكن أن تتحول مصر لحملات دعاية لتبرعات يكسب أصحابها أكثر مما يدفعون، بدءا من شركات (الحاجة الساقعة) والموبيلات التى تتبنى حملات التعليم وتوصيل المياه وجمعيات الخير لستر جسد الفقراء.
أنا لست ضد العمل الخيرى، والمشاركة الاجتماعية، لكن لا يمكن أن يقبل أحد أن تكون حملات الدعاية تلك ميزانية مصر، وأن تكون شركات البيبسى والمحمول هى حكومة مصر، هى التى تبنى مصر، وتعلم وتسقى. أين دور الدولة فى أهم ملفين يمكن أن يعاد بهما بناء مصر، وإصلاح ما أفسده الفاسد الكبير وعصابته على مدى ثلاثين عاما، إنهما التعليم والصحة، لا مستقبل لشعب جاهل أو مريض، ولا فائدة من رفع الحد الأدنى لأجور بشر مهما كانت، وهم لايجدون مدرسة صالحة لتعليم أبنائهم، ولا مستشفى يستقبل مرضاهم، فيقدمون كل ما يتكسبون للدروس الخصوصية والمستشفى الخاص.
مصر لا يجب أن تنتظر بركة رمضان وأهل الخير لتعلم وتعالج وتكسى أبناءها، وبقدر ما نحتاج لتغيير سياسى وتطهير، فنحن نحتاج للبناء، فالخراب الذى تركه غربان العهد البائد أكبر من خيالنا وميزانية الدولة التى ستتخطى 300 مليار جنيه فى عامى 2011/ 2012. لابد أن يكون هدفها بناء الأجساد والعقول، لا ملء الأفواه لإسكات المحتجين من أصحاب المطالب الفئوية. نريد مصر بصحة وبعقل، وشكرا للسادة المحسنين الذين سيجمعون من مكالمات الهاتف لاختيار الفستان البمبى أكثر مما سينفقون لبناء فصل فى مدرسة، ولحكومتنا المحترمة التعليم والصحة أولا، لأنه بجد عيب!!








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة