لم تغفر لى إشاراتى – الخجولة - التى بدأت بها مقال الأربعاء الماضى عن «العمرة»، من حيث ما يؤكده من يعرفوننى، من احتسابى من أنصار التوجه الإسلامى، فإذا بما يشبه اللعنات تنهال علىّ، حتى لقد هزّنى هذا بشدة، لا زعزعة ثقة بالنفس، وإنما رعبا من احتمال يقول: إذا كان هؤلاء المتحمسون يفعلون هذا مع من يشاطرهم التوجه، فماذا سوف يعملون مع من يغايرهم؟. وعلى الرغم من أن «المحاسب» هو الله، ومع أن التفاخر بكذا وكذا ليس أمرا محمودا، لكنى مضطر إلى تنبيه الذين قذفونا بالطوب والحجارة، أن هذا الذى قذفتموه، هو الذى أدخل، وعلّم، لأول مرة فى التعليم المصرى، مقررا باسم التربية الإسلامية فى تربية الأزهر منذ عام 1971، وتتلمذ على يديه عشرات الأساتذة، وآلاف الطلاب فى هذا المجال، وهو الذى أنشأ – لأول مرة - تخصصا للماجستير فى التربية الإسلامية بكلية التربية بمكة 1977.. وهو الذى أسهم فى إيجاد برنامج دكتوراه فى التربية الإسلامية فى كلية الشريعة بجامعة اليرموك بالأردن عام 2004.. وهو الذى ألّف حوالى عشرين كتابا فى التربية الإسلامية، حتى لقد نوقشت فى شريعة اليرموك، رسالة ماجستير عن جهوده فى التربية الإسلامية عام 2004.
لقد وصل الأمر بقارئ أن يقوم بما هو أدخل إلى السب، فيستخدم توصيف الله عز وجل لمن يصدون عن الدعوة وينكرون الشواهد الدالة على الإيمان بالله، بأن على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفى آذانهم وقر، ويوجهه لى، سامحه الله.. ويكيل لى بعض آخر اتهامات، هى محض استنتاجات قياس فاسد، مثل: أننى أدعو إلى تأميم أموال المعتمرين، وأننى بعيد عن نبض الشارع، وأن كلامى يصد عن عبادة الله، وأن كلامى يفتقر إلى المنطق، من غير أن يبين: كيف؟
وساق البعض عبارات السخرية والاستهزاء، كتنبيهى إلى أن «الثورة قامت على فكرة»، مما يحمل اتهامى بأننى من «الغافلين»، ويقترح آخر أن يعينونى مستشارا لأجلب الخير على مصر!!، وأننى بدأت جادا، ثم انتهيت فى الأرض!! إلى غير هذا وذاك.
كنت كثيرا ما أستنكر التخوفات التى يبديها «المغايرون» مما يمكن أن يحدث لو حكم الإسلاميون مصر، وأنهم يستخدمون الديمقراطية للوصول إلى هذا، فإذا وصلوا، سوف ينقلبون على أغيارهم ويحجروا عليهم بتهمة الخروج عن الملة.. فلما كِيل لى مثل هذه الاتهامات وغيرها على اجتهاد فى الرأى، بدأت أضع يدى على قلبى بعض الشىء.. لكن لطف الله عز وجل جعلنى أتذكر، فى شريط طويل، كيف رأيت صورا أخرى، غاية فى السماحة ورجاحة العقل، حيث خالطت وعرفت عشرات ممن تفخر بهم مصر حقا من حاملى اللواء الإسلامى، بدءا من الراحل محمد الغزالى، الذى استضفته فى صالون الأربعاء الذى سخر منه أحد القراء، فضلا عن استضافة الدكاترة: محمد عمارة، وعلى جمعة، وسيف عبدالفتاح، والراحل محمد سيد طنطاوى، وأحمد عمر هاشم، والراحل عمر التلمسانى، والمهندس خيرت الشاطر، وغيرهم.. والذين تساءلوا: لِمَ لَم أتحدث عن صور أخرى من سفه إنفاق فى مصر، لم يقرأوا لى من قبل، حيث كتبت، عبر سنوات، عن هذا كثيرا.. وأُذَكّر المنكرين لدعوتى بموقف كان فيه أحد المسلمين يمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه بعض الصحابة، وكان هذا المار، يبدو مفتول العضلات، تبدو عليه إمارات الصحة الممتازة، فقالوا: لو كان هذا فى سبيل الله؟ فإذا بالنبى العظيم، يعدد بعض الأنشطة «الدنيوية» المتصلة بكسب المعاش، مؤكدا أن كل واحد منها هو «فى سبيل الله»!
وكلنا يعرف، كيف أن الصائم قد لا يكون له أجر لأن صيامه لم ينهه عن كذا وكذا، والشىء نفسه بالنسبة للصلاة، وهما من الفرائض والأركان الأساسية للإسلام.
وهذا هو ما يشغلنى: الاهتمام فقط بالعبادات، دون المعاملات، ولو اجتمعا، فهذا هو عين المراد، ولو أن كل معتمر، غسل ذنوبه وعاد صافى القلب، يسلك فى حياته وفقا لما يأمر به عز وجل، فإن ما ينفقه، لم يضع أبدا.. وأُذَكر من قسا فى قوله، ومن أغلظ فى حديثه، ومن قذف الطوب والحجارة، بأن يراجعوا أمر المولى عز وجل «وجادلهم بالتى هى أحسن» وبقوله «ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبين عداوة كأنه ولى حميم»، وقول رسول الله، صلى الله عليه وسلم «بشروا ولا تنفروا، ويسروا ولا تعسروا».. غفر الله لى ولكم.
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة