خطأ يتكرر مرة أخرى: فى رحلة تمتد لأكثر من ثلاثة أسابيع لم آخذ معى إلا كتابا واحدا اخترته فى لحظة، الكتاب هو «أحمد عرابى الزعيم المفترى عليه» لمحمود الخفيف، وهو الكتاب الذى أعاد الاعتبار لواحد من أعظم وأنبل رجال هذا البلد.
وذلك لأنه ظُلم ظلماً شديداً، فمنذ انكساره أمام القوات البريطانية لعوامل الخديعة والخيانة، وكل القوى القادرة تسوء سمعته إلى أقصى الحدود، نفاقا لتوفيق الذى ثار عليه، وتبرئة لأنفسهم من أن بعضهم عاش حلم عرابى فى دولة حرة يسودها العدل، وتقربا من قوات الاحتلال التى دخلت البلاد على جسد عرابى.
واستطاع محمود الخفيف المدرسى أحد كتاب «الرسالة» أن يعيد الاعتبار للزعيم، لتعود الأضواء مرة أخرى إلى البطل الذى قاد إحدى الثورات المصرية الكبرى.
ولكن ذلك لم يخرج محمود الخفيف من دائرة الإهمال التى دخلها، لأنه لم يكن كاتب سلطة، ولا مهرجا فى قصور السلطان، وربما سيكون رد الجميل للخفيف فى الاحتفال بذكراه الخمسين فى بداية أكتوبر القادم، والذى تقوم به دار الكتب التى تعيد طبع بعض كتبه.
أعود إلى الكتاب «الوحيد» الذى صحبته -أو صحبنى- فى سفرى وقد شغلنى بفكرة غريبة، هى التساؤل: لماذا نشوه زعماءنا؟
لقد وجهت تهم وشائعات واتهامات إلى عرابى استطاعت أن تسيطر على رجل الشارع الذى من أجله كان عرابى، ولقد استطاع محمود الخفيف فى كتابه الرائع أن يفند ما وجه إلى عرابى بذكاء وعلم، لنكتشف أن أعداءه وأعداءنا ألبسوا الباطل ثوب الحق، وحولوا إنجازات عرابى إلى خيانات، ولنا الله من قبل ومن بعد.
وأعود لأقول إن الفكرة قد شغلتنى، عرابى هوجم هجوما بشعا، حتى إن شابا وطنيا رأى أحمد عرابى بعد عودته من المنفى الطويل، فسأله:
سعادتك أحمد عرابى باشا؟
وعندما أجابه الشيخ بالإيجاب بصق الشاب فى وجهه!!
ومصطفى كامل باشا سخروا منه قائلين إنه «شحات بالرونجوت».
إشارة إلى أنه كان يجمع تبرعات للحزب الوطنى، وهو الحزب الوطنى القديم الذى قاد الغضب المصرى على الاحتلال البريطانى، وليس له علاقة من قريب أو بعيد بالحزب الوطنى إياه!! وحتى سعد زغلول وجهت له تهم الاستبداد وغيرها من التهم، ولولا أنه مات فى عز «الوفد» لكان شأنه شأن خليفته مصطفى النحاس، أما جمال عبدالناصر فلقد تعرض لأكبر حملة تشويه عرفناها.
قال صديقى: لو أننا قلنا إن الزعيم الفلانى كان يسهر الليل من أجل بلاده لن يهتم أحد، ولكن لو قلنا إنه كان يسرق الفضيات فى الحفلات فسيكون خبرا لا يحدث!
ولكن صديقا آخر قال إن الأمر أعقد من هذا فهناك جهات تريد قتل القدوة.
فإذا كانت الأولى أو الثانية.. فماذا نفعل؟ نحن فى حاجة إلى عشرات محمود الخفيف ليكشفوا الحقائق، وأمام آلات الافتراء نحتاج إلى آلات الصدق.
وفى الأسبوع الماضى توفى خالد جمال عبدالناصر، وجيلى يتذكر المظاهرات العارمة فى البلاد العربية «أبوخالد زعيمنا»...
ولم أدرك الجنازة فاتصل بى الصديق عبدالله السناوى، وقال لى إنه عند عودته من الجنازة ركب تاكسى، وقال له السائق إنه قد استوقفته سيدة ريفية تحمل «بقجة» فى يدها وقالت له:
وحياتك ياابنى تودينى جنازة ابن جمال عبدالناصر.
وذكرنى -وكنت قد تذكرت فعلا- أمينة رزق فى «ناصر 56».
وفى العزاء كان الشعب المصرى قد زحف إلى المسجد، ورأيت كل أطياف الألوان السياسية، كانت تلك لحظة صدق تساقطت الأكاذيب والافتراءات وخرجت الحقيقة ناصعة.
ورغم أننى مازلت أعتقد أننا فى حاجة إلى أكثر من محمود الخفيف ليشرح لنا أكاذيب الثورات المضادة، فإنه فى تلك الليلة تكشف حس الشعب الذى يدرك الواقع حتى لو كان هناك التزييف والأكاذيب.
ما أروع هذا الشعب الذى أنجب عرابى ومصطفى كامل ومحمد فريد وسعد زغلول وجمال عبدالناصر.. ليس هذا فقط، بل أسقط أيضا أكاذيب المرجفين.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد بسيوني
تشويه ايه
عدد الردود 0
بواسطة:
ايهاب عوض
الزعيم عبدالناصر
عدد الردود 0
بواسطة:
نصر
صدقت تماما يا أستاذ محفوظ ..بارك الله فيك وفى كل من يحمل هموم الوطن والمواطن
عدد الردود 0
بواسطة:
مصرى السيد
ليس للنشر
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد زكى (1)
كاتب محترف افتراء ولى حقائق
عدد الردود 0
بواسطة:
احمد زكى (2)
كاتب محيرف افتراء ولى حقائق
عدد الردود 0
بواسطة:
بيركيلوتس ناصر
ثورات المصريين الفاشلة من الفشل قبل الزعيم ناصر واهل العبد الساداتي